الرئيسية / ملفات / 1 ماي / الرأسمالية المتوحّشة هذا الوباء البشري الفتّاك
الرأسمالية المتوحّشة هذا الوباء البشري الفتّاك

الرأسمالية المتوحّشة هذا الوباء البشري الفتّاك

حمّه الهمّامي

إن ما يلفت الانتباه بمناسبة ظهور وباء “كورونا” هو الاستهتار الذي تعامل به قادة الدول الرأسمالية الغربية وخاصة الشعبويين منهم مع هذا الوباء في بداياته.

شعبويّون قادوا شعوبهم إلى شفا الهلاك

ففي بريطانيا صرّح في مطلع شهر مارس الفارط، رئيس الحكومة البريطانية، بوريس جونسن، إثر زيارته لأحد المستشفيات الذي يوجد به عدد من المصابين بفيروس كورونا، أنه “يواصل مصافحة الجميع” (3 مارس 2020). وبعد ذلك بأيام، لم يتردّد المسؤول البريطاني في التّصريح بما يلي: “سأكون صريحًا معكم ومع كل الشعب البريطاني: عائلات كثيرة وكثيرة جدّا ستفقد أحبّاءها قبل أن يحين وقتهم” (12 مارس 2020). وهو يريد بذلك تأكيد تبنّيه لنظرية “مناعة القطيع” التي روّج لها كبير المستشارين العلميين للحكومة البريطانية، السِّيرْ باتريك فالانس، الذي يرى بأنه “كلما توسّعت دائرة انتشار الوباء، تصبح هناك مناعة وطنيّة أوسع لأجيالٍ رغم ما قد يرافق ذلك من خسائر في الأرواح”. وهذه النظرية ليست بعيدة عن “المالتوسية الجديدة”، المطبوعة بالعنصرية والفاشية القائمة على فكرة “اللّي يْموتْ يْموتْ واللّي يعيشْ يعيشْ” للتخفيض من “فائض السكّان” الذي يتسبّب في المشاكل الاقتصادية والاجتماعية في نظر المدافعين عن هذه الفكرة. (ويعلم الجميع أنّ رئيس الحكومة البريطانية سقط ضحيّة تهوّره، إذ أصيب بالوباء وكاد يقضي عليه لولا العلاج الذي تلقّاه في المرفق العمومي.)

أمّا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فقد نحَى مَنْحى آخر، عنصريّا، كريها. إذ خلافًا لما توصي به المنظمة العالمية للصحة، فقد سمّى “فيروس كورونا”، الفيروس الصّيني”، بغاية اتّهام الصين بكونها هي التي تقف وراء هذا الوباء أو للإيحاء بأنّ مثل هذا الوباء لا يصيب إلّا “الصينيين الكريهين” لتغذية العداء ضدّهم مع استعماله في الحرب التّجارية بين البلدين. ووصل استهتار ترامب بالوباء حدّ التصريح بأنّ الانتصار على فيروس “كورونا” سيتحقّق بأسرع ممّا يتوقّعه الكثيرون. وحدّد موعدا لذلك وهو قبل يوم 12 أفريل (تصريحان بتاريخ 21 و25 مارس 2020). وشكّك ترامب في نسب الوفيات التي جاءت في بيانات المنظمة العالمية للصحة (3.4%) زاعما، “حسب حدْسه” أنّها “أقل من 1% بكثير” (4 مارس 2020). وتباطأ في اتخاذ إجراءات وقائية من الفيروس مُستنِدا إلى وفيات الإنفلونزا العادية للعام السابق والتي لم تؤدّ حسب ذكره إلى توقّف الحياة العادية والاقتصاد، ممّا يعني أنه لا فائدة في اتّخاذ إجراءات احتياطية ضدّ وباء “الكورونا”. ولكسب سبق في إيجاد لقاح ضدّ الفيروس يمكّنه من ربح الانتخابات الأمريكية ومن ربح المال أيضا، حاول شراء نتائج أبحاث أحد المخابر الألمانية بماله الخاص. وفي الوقت الذي كان فيه العلماء يُشيرون إلى أنّ اللّقاح لن يكون جاهزا قبل منتصف العام المقبل، صرح ترامب بأنّ اللقاح سيكون جاهزا عما قريب (تصريح بتاريخ 7 مارس 2020). ولم تتوقف تصريحات ترامب الشعبوية، المستهترة بصحة الإنسان عند هذا الحد، إذ أنه صرّح في ذروة الإصابات في الولايات المتحدة قائلا: “رأيت أنّ التعقيم يقضي على الفيروس في دقيقة واحدة فهل هناك طريقة لحقن المطهر (لمرضى الكورونا)؟ سيكون ذلك مثيرا للاهتمام”، وأضاف “يُفترض أنّ تعريض الجسم للأشعة فوق البنفسجية بقوة يمكن أن يساعد على مكافحة المرض” (24 أفريل 2020).

أمّا رئيس الحكومة الإيطالية، جوزي كونتي، فإنّه مثله مثل الرئيس الفرنسي دعا شعبه في بداية انتشار الوباء إلى مواصلة حياته العادية في استهتارٍ تامٍّ بدعوات الهيئات الطبية والعلمية إلى الإسراع باتّخاذ الإجراءات. وحتى عندما دعاه بعض السياسيّين من منطقة “لومباردي” الشّمالية الأكثر تضرّرا من الوباء إلى فرض إجراءات أكثر شدّة وبأكثر سرعة فإنّه تخفّى وراء ذريعة أنّ بلاده ليست الصين (يقصد أنّ الصين دكتاتورية) ليحُدَّ من “الحريات الدستورية” للمواطنين ويعلن الإغلاق الكامل للوقاية من الوباء. وهو نفس الكلام الذي استعمله الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” عندما سُئِل أيضا في بدايات انتشار فيروس كورونا في فرنسا عن تباطؤ الحكومة في اتخاذ إجراءات وقائيّة صارمة. إذ أشار إلى أنّ بلاده “ليست الصين” مُوحِيا بأنّ إعلان الحجر العام في الصين وفرض الالتزام به على السّكان راجع إلى طبيعة النظام المعادية للحريات.

وفي البرازيل لم يتردّد الرئيس الشعبويّ، اليمينيّ المتطرّف، “جايير بولسورانو” في بادئ الأمر في وصف وباء كورونا بأنه “محض خيال” وبأنه “انفلونزا بسيطة وخدعة إعلامية”، بل ذهب إلى الزّعْم بأنّ الهدف من “التضخيم الإعلامي” لوباء كورونا هو إسقاطه من الحكم (24 مارس 2020). وفي وقت لاحقٍ ورغم انتشار الوباء في البرازيل دعا “بولسارينو” مواطنيه إلى الصّلاة ثم إلى الاستمرار في حياتهم العادية معترضا على إجراءات الغلق التي اتخذتها بعض الولايات.

هذه أمثلة عن سلوكيات عدد من زعماء الدول الرأسمالية الشعبويّين خاصة في مواجهة وباء كورونا. وهي سلوكيات تنمّ عن استخفاف بالعلم والمعرفة من جهة وبحياة البشر من جهة ثانية. وقد كانت نتائج هذا السلوك الأرعن مكلفة من الناحية البشرية، ولكن أيضا من الناحية الاقتصادية والاجتماعية لتلك البلدان. فالولايات المتحدة الأمريكية تتصدر اليوم بلدان العالم في عدد الوفيات (أكثر من ثلاثة وستين ألف) والإصابات (أكثر من مليون) تليها في عدد الإصابات كلّ من إسبانيا وإيطاليا وإنجلترا وفرنسا وألمانيا وتركيا وروسيا وإيران والبرازيل. وبالمقابل فقد بقيت الوفيات في الصين دون الخمسة آلاف.

وفي بلدان أخرى تتّهمها الدول الغربية بالاستبداد مثل فيتنام المجاورة للصين، فإنها لم تسجّل أيّ وفاة ولم تتجاوز الإصابات فيها مائتين وستين إصابة. وفي كوبا التي تحاصرها الولايات المتحدة الأمريكية منذ ستين سنة وتخنقها اقتصاديا وماليا وتجاريا فإنّ عدد الوفيات لم يتجاوز الواحد والستين والإصابات الألف وخمسمائة وواحد، بل أكثر من ذلك فإنّ الحكومة الكوبية قدمت مساعدات طبية لأكثر من بلد من بينها إيطاليا التي وجدت نفسها وحيدة في مواجهة الوباء رغم انتمائها للاتحاد الأوروبي.

ولا يمكن فهم سلوكيات قادة البلدان الرأسمالية الغربيّة إلاّ في سياق المصالح الطبقيّة التي يدافعون عنها. فوراء هذه السلوكيات المُسْتهتِرة لا وجود كما يدعون لاحترام الحريات الدستورية والمبادئ الديمقراطية بل تكمن الرغبة في الحفاظ على مصالح الطغمة المالية التي يرتبطون بها ويمثلون مصالحها والتي ليست لها مصلحة في اتّخاذ إجراءات تؤدّي إلى إيقاف الأنشطة الاقتصادية والتّجارية وإلى تعطيل حركة التنقّل والاستهلاك بشكل عام. إنّ الرّبح ولا شيء غير الرّبح هو الذي يقودهم. لذلك غامر مسؤولو تلك البلدان وأشباههم في بلدان أخرى بعدم التّسريع في مواجهة الوباء ظنّا منهم أنّ تداعياته ستنحصر في وفاة أعداد “مقبولة” من البشر، يمكن التضحية بهم، دون الإضرار بسير الاقتصاد الرأسمالي الذي يعيش منذ 2008 أزمة عميقة. ولكنّ تطوّر الوباء أدّى إلى عكس ذلك. فبالإضافة إلى الخسائر البشرية التي أصبحت تهدّد سياسيا الحكومات القائمة، فإنّ الانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية باتت واضحة. إذ لا مفرّ للبلدان الرأسمالية من رُكود غير مسبوق مُصاحب بنسب بطالة وفقرٍ مرتفعة. وهو ما يفسّر الضّغوط المسلّطة من أصحاب رأس المال لرفع الحجر الصحّي في أسرع الأوقات لعودة المصانع والمؤسّسات إلى سالف نشاطها.

الجائحة أسقطت كلّ أوراق التّوت عن اللّيبراليّة المتوحّشة

ولكن وباء “كورونا” لم يكشف استهتار قادة البورجوازية الاحتكارية الغربية بحياة البشر فحسب من خلال تباطئهم في اتخاذ الإجراءات الضرورية لحماية الناس خوفا منهم على مصالح كبريات الشركات والطغم المالية. بل كشف كذلك عن تدهور الخدمات الصحية في البلدان الرأسمالية الغربية. فهذه البلدان التي ما انفكت بورجوازياتها تكدّس الثروات على حساب الطبقة العاملة والكادحين في الداخل والشعوب في الخارج وتصرف مئات المليارات على التسلح وجدت نفسها عاجزة عن توفير أبسط المستلزمات في مواجهة الوباء بما في ذلك الكمامات وأجهزة التنفس والمعقّمات. وهو ما أدى إلى تكاثر الوفيات لا في المستشفيات فحسب، ولكن أيضا في الشوارع وفي دور المسنين الذين تركوا وحدهم بلا عناية وفي المساكن. وهذه في الحقيقة فاتورة التدمير الممنهج للخدمات العامة وفي مقدمتها الصحة الذي عمدت إليه الرأسمالية في وجهها النيوليبرالي البشع.

إنّ الليبرالية المتوحشة التي ظهرت بداياتها في بريطانيا مع “مارغريت تاتشر” في سبعينات القرن الماضي ثم بعد ذلك بسنوات قليلة في الولايات المتحدة مع “رونالد ريغن”، قبل أن تتّخذ شكلا مُعوْلما بعد سقوط الاتحاد السوفياتي في العشريّة الأخيرة من القرن الماضي، قد قامت على مبدأ أنّ “السوق هي الخيْر المطلق” والدولة هي “الشرّ المطلق”. وعلى هذا الأساس وجّهت البورجوازية الاحتكارية نِيران مدافعها نحو الخدمات العامّة وفي مقدّمتها الصحة.

لقد فكّكت البورجوازية الاحتكاريّة المنظومات الصحّية العموميّة وحوّلَتْها مجالا للاستثمار والرّبح. وكانت الخطوة الأولى الخفض في نفقات الدولة المخصصة للصحة. وهو ما أدّى إلى تدهور الخدمات في المستشفيات العمومية. فقد ساءت أوضاع الإطار الطبي وشبه الطبي وتناقص عدده وقلت التجهيزات والأدوية وتراجع الاستثمار في الأبحاث العلمية وفي المختبرات والمستلزمات الوقائية الشخصية وفي وضع خطط للاستعداد للجوائح والكوارث. ومن الجهة الأخرى فسح المجال للخواص للاستثمار في الصحة. فظهرت المصحات الخاصة كالفقاقيع وجلبت إليها الكفاءات الطبية العاملة بالقطاع العام عن طريق الأجور المرتفعة. كما استولت على قطاع الأدوية المافيات والشركات الاحتكارية التي عملت بدورها على توجيه الأبحاث العلمية في اتجاه علاج الأمراض الراهنة المدرّة أكثر للأرباح وأهملت الاستثمار في الأبحاث المستقبلية التي تهمّ حياة البشر بما في ذلك مقاومة الفيروسات المستجدة وما ينجرّ عنها من جوائح. كما أنها أهملت إنتاج الأدوية البسيطة وغير المكلفة التي يتناولها عموم الناس. وفي نفس السياق أصبح التلاعب بصحة الناس عن طريق الترغيب والترهيب النفسيين عملة رائجة لتسويق الأدوية وخلق الحاجة إليها.

وإلى ذلك عمدت الحكومات البورجوازية إلى التراجع عن مكاسب العمال والأجراء في مجال التغطية الاجتماعية وضرب حقوق المتقاعدين الذين سيكونون من بين الضحايا الأول لفيروس “كورونا”. وهكذا ظهر نوعان من الطب واحد للأثرياء وآخر للفقراء وهو ما عمّق الهوة داخل المجتمعات الرأسمالية بين الأقلية الثرية والأغلبية الكادحة والفقيرة. ونتيجة لذلك ولمّا ظهر وباء “كورونا” وجدت المجتمعات الرأسمالية المحكومة بالطغم المالية الليبرالية المتوحشة نفسها تفتقد إلى الاختبارات وحتى إلى الكمامات التي أصبحت محل مضاربات وحتى “خطف وتحويل وجهة”. ومن المُضحكات المُبكيات أنّ بلدا مثل فرنسا كان قبل ظهور الوباء بقليلٍ مسرحا لاحتجاجات الإطار الطّبي وشبه الطّبي الذي هبَّ دفاعا عن الصحة العمومية. ومن بين الشعارات التي رُفِعت في وجه “ماكرون” وحكومته: “الحكومة تحسب اليوم نقودها والمجتمع سيحسب غدا موتاه”.

في الفرق بين الصّين والدّول الغربيّة: الدّولة الرّاعية اجتماعيّا هي صانعة الفارق

وهنا نصل إلى نقطة أخرى وهي المتعلّقة بالمقارنات بين الصّين والدول الغربية. ليس الاستبداد هو الذي مكّن الصين من احتواء الوباء بسرعة كما أنه ليست الديمقراطية هي منعت حكام الدول الغربية من مواجهة الوباء بصورة مبكرة وناجعة.

إنّ الانسياق وراء مثل هذه المزاعم التي حاولت الترويج لها في البداية أبواق الرأسمالية يؤدّي في نهاية الأمر إلى تجميل الاستبداد. إنّ ما مكّن الصين من تحقيق نتائج سريعة في مقاومة الوباء هو منظومتها الصحية العمومية الناجعة. فما من شكّ في أنّ الرأسمالية هي السائدة اليوم في الصين ولكنها رأسمالية دولة، وبالتالي فإنّ الدولة هي المتحكم الأساسي في القطاع الصحي الذي ما يزال إلى حدّ الآن مرفقا عاما متاحا لغالبية السكان وموزعا توزيعا فيه حدّ أدنى من العدالة بين مختلف المناطق. وقد لاحظ الناس في مختلف أصقاع الدنيا السرعة التي تمكنت بها الصين مثلا من بناء مستشفى وتجهيزه لمواجهة وباء كورونا بمنطقة “ووهان”. وهنا يكمن الفارق مع البلدان الغربية الأساسية التي تسيطر فيها الرأسمالية الليبرالية المتوحشة التي دمّرت ذلك المرفق. فلمّا جاء الوباء لم يكن القطاع الصحي العمومي جاهزا لمواجهته وهو ما أقرّ به على الأقل شكليا زعماء هذه البلدان.

وفي هذا السياق من الممكن ملاحظة أنّ درجة الخسائر البشرية في البلدان الرأسمالية الغربية مناسبة لدرجة تدمير القطاع الصحّي العام. فالبلدان الأقل تخريبا للقطاع العام (ألمانيا مثلا) وجدت نفسها في وضعٍ أفضل نسبيّا مقارنة بالبلدان الأخرى. أمّا بخصوص فيتنام وكوبا حيث يتولّى الحكم نظامان وطنيان، شعبيّان واجتماعيان، فإنّ الصحّة ما تزال خدمة عموميّة، راقية ومجانية للجميع. وهو ما جعل هذين البلدين يتحكّمان في الوباء ويسجّلان نتائج لا تُقارن بما حصل لأعْتى الدول الرأسمالية، ونقصد الولايات المتّحدة الأمريكية.

لقد بيّن وباء “الكورونا” الوجه الوحشي للرّأسمالية والبورجوازيّة العالميّة التي لا يمثّل الإنسان بالنسبة إليها سوى سِلْعة. كما أنّه عمّق أزمتها وأكّد أنّ الإنسانية في حاجة إلى حضارة جديدة يكون الإنسان، لا الرّبح، محورها. ولكن هذه المسألة تبقى مَشْروطة بوعي الطبقة العاملة والشعوب المضطهدة ومدى استعدادها للنضال وأخْذ مصيرها بيدها. فاليوم لا حديث إلاّ عن عالم ما بعد “الكورونا”. وكثيرا ما نسمع حكّاما بورجوازيّين من أشدّ المدافعين عن النّهج الرّأسمالي اللّيبرالي المتوحّش يتظاهرون اليوم بكونهم استخلصوا الدّرس ويردّدون أنّ عالم ما بعد الوباء لن يكون كعالم ما قبل الوباء، بل إنّ “ترامب” نفسه أصبح يتحدّث عن تعميم التّغطية الاجتماعية الذي كان يعارضه ويتّهم المنادين به بالشّيوعيّة. كما أنّ رئيس الحكومة البريطانية لم يجدْ بُدًّا من الاعتراف بأنّ المرفق العمومي هو الذي أنقذ حياته من الوباء. وفي فرنسا تظاهر “ماكرون”، الذي كان قبل أشهر في مواجهة مع العاملين في القطاع الصحي ومع العمّال والأجراء الذين حاول خوصصة نظام تقاعدهم، بأنّه “فهِم” أهمّية الصحّة العموميّة. ولا يمكن بأيّ شكل من الأشكال أن ينطلي هذا الخطاب المُخادع والكاذب على العمّال والكادحين. فهو خطاب للمغالطة ولاِمْتصاص الغضب لأنّ وجه الرأسمالية البشع لن يتغيّر وحتى الذين يحلُمون بعودة دولة الرّفاه الكينيزيّة فإنهم لا يسألون أنفسهم عن أيّ أرضية ستقوم اليوم هذه الدولةّ؟ وهل نحن في ظروفِ ما بعد أزمة 1929 وما بعد الحرب العالمية الثانية؟

إنّ المتوقّع هو أنّ البورجوازية ستعمل بكلّ الوسائل على تحميل فاتورة الأزمة مرّة أخرى للعمال والكادحين في الداخل، والشعوب والأُمم الصّغيرة والضّعيفة في الخارج. وهو ما يؤكّد أنّ الطريق الوحيد لتغيير وجه العالم اليوم هو الثّورة الاجتماعية التي تؤدّي إلى قيام نظام اشتراكي مِحْوره الإنسان. وفي غياب ذلك، ستستمرّ المآسي النّاجمة عن تدمير الرأسمالية للإنسان والطّبيعة معا، إلى أن يحصل الوعي العام بضرورة التّغيير.

فيا عمّال، ويا شعوب العالم المضطهدة اِتّحِدوا لمواجهة الوحشيّة الرأسمالية ورسم مصير جديد للإنسانية.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×