الرئيسية / صوت الجهات / قفصة: مدن الاختناق وقرى البؤس
قفصة: مدن الاختناق وقرى البؤس

قفصة: مدن الاختناق وقرى البؤس

عمار عمروسية

في سنوات قليل غيّرت “خريبقة” مدينة الفسفاط المغربية رداءها وأحوال أهاليها بما يُعيد إلى الحياة نسبيّا الشروط الدّنيا لمفاهيم المواطنة والحياة الكريمة.

فمدينة الجحيم، وفق توصيف بعض الأشقّاء المغاربة، حتّى سنوات قليلة حققّت انتقالها المذكور أعلاه ضمن سيرورة حراكٍ شعبيٍّ واسع وحَّد كلّ روافد المقاومة المدنيّة والسياسية والنقابية لتحقيق المنجزات وكسر شوكة حكم المخزن الاستبدادي.

صعدت “خريبقة” المنسيّة وأعادت لأهاليها في حدود معقولةٍ بهجة الحياة الآدميّة (مرافق صحيّة، بنية أساسية، مرافق ترفيهيّة الخ….). غير أنّ “قفصة” مازالت في سيرها إلى الخلف بوتائر سريعةٍ، فلا انتفاضة الحوض المجيدة في 2008 وبطولات النّساء والرّجال المترعة بدماء الشهداء بدّلت الأحوال نحو الأفضل ولا ثورة الحرّية والكرامة وما أعقبها من حراك شعبي وسياسي أفلح في قلب موازين القوى وفرض مكاسب جوهريّة للجهة بعيدا عن منطق المعالجات الحكوميّة القائمة على احتواء الحراك وإنهاكه حينا بالتّجاهل وربح الوقت وحينا آخر بالدّسائس وشقّ الصّفوف، وأحيانا برشاوي الحركة الاجتماعيّة وبعض رموزها الفاعلة.

فشركة البيئة والغراسة وآلاف العاملين فيها مكسب مهمّ غير قابل للنّقض والمراجعة تحت تعلاّت “عدم اشتغال العاملين” أو “صعوبات الشركة الماليّة” الخ… فعدم تفعيل هذه الشركة مسؤوليّة الحكم وحده ولا دخل للعمّال ولنقاباتهم في تلك العطالة، خصوصا وأنّهما رفعا الأصوات عاليًا من أجل التّفعيل ضمن ضوابط قانون أساسيٍّ، ولكن كلّ الحكومات المتعاقبة أعاقتْ خروجه إلى النّور.

فشركة البيئة وأجورها تعويض قليلٌ من حقوق مُغتَصَبة وثمرة نضالات مستحقّة، غير أنّها بعيدة كلّ البعد عن آليات التنميّة المُستدامة بما ينهض بالجهة ويخرجها من بوتقة مقت الفسفاط وغياب الدّولة المفجع.

“خريبقة” تنهض و”قفصة” تغرق إلى القاع. فإلقاء نظرة سريعة على مدنها وساكنيها تجعل كلّ ملاحظ نزيه يقف على فظاعة الاختلال الجهوي القائم في بلادنا.

فبلدة “المظيلة”، الثانية في استخراج الفسفاط والحاضنة للمجمّع الكيميائي منذ ثمانينات القرن الماضي، فقدت كلّ ملامحها وقاربت بحقّ مقابر الأحياء المنهكين بآفات التلّوث وأمراضه الخطرة. وهي مثل “أمّ العرائس” تغذّيان النّزوح الدّاخلي في جميع الاتّجاهات.

أمّا “المتلوي”، قلب الإنتاج الفسفاطي التّي أطلقوا عليها”petit Paris” ، فهي سابحة في بطالة شبابها وأحياءها السكنية تحت قصف مغاسل الفسفاط. فلا حدائق زمان خضراء، ولا ملاعب “التنّس” والمسابح متواجدة. المدينة متهالكة يحاصرها التّصحر والعطش. مثل واحات “قفصة المدينة” و”القطار”.

مدن الجهة تنحو نحو التّرْيِيف بخطى متسارعة، وأرياف الجهة تسقط نحو ضَنَكِ العيش والضِّيق بأهاليها حدّ الاختناق.

“خريبقة” نهضت، ومهد الحضارات العريقة “قفصة” تهوى مسرعة الخطى نحو القاع. والقاع لا حدود له إذا لم يسارع النشطاء السياسيّون والفاعلون في المجال الاجتماعي والحقوقي والشّبابى إلى رصّ الصّفوف وتوحيدها في حركة شعبية واسعة لافتكاك الحقوق تحت عنوان “حقّي من الفسفاط”.. هذا الحقّ الذي يشمل الجميع بالجهة.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×