الرئيسية / صوت الوطن / في الصّراع على الحكم: سحابة سياسية تنقشع أمام الخيارات الاقتصاديّة المتّبعة
في الصّراع على الحكم: سحابة سياسية تنقشع أمام الخيارات الاقتصاديّة المتّبعة

في الصّراع على الحكم: سحابة سياسية تنقشع أمام الخيارات الاقتصاديّة المتّبعة

مثلما هو الحال في كلّ أزمة سياسيّة في هذا البلد، تنتهي كل الصراعات السياسية الدّاخلية بين أقطاب الحكم في تونس بمختلف مكوناتها أمام حقيقة الخيارات الاقتصادية التي ينتهجوها. فمنذ أكثر من سنة، لم يهدأ وطيس الصراع بين الرئاسة وحلفاءها من جهة، والحزام السياسي للحكومة في البرلمان، من جهة ثانية إلا منذ أيام، واتّخذ أحيانا أبعادا صبيانيّة بعيدة كلّ البعد عن الصراع السياسي النّزيه. غير أنّه لوحظ بين الفينة والأخرى “خفوتا” نسبيّا لهذا الصراع. فهل اتفق المتصارعون على صلاحيات كل منهم او نظام حكم جديد؟

قطعا لا. بل أعلن كلٌ منهما هدنة فرضتها “الحجّ” الذي قام به فريق حكومي إلى واشنطن، للالتقاء بممثّلي صندوق النقد الدولي أملا في نيْل رضاه والظّفر بقرض جديد، ستكون عواقبه، حسب كلّ المتابعين من العارفين بأمور المالية، وخيمة على الاقتصاد التونسي وعلى الفئات الشعبية على وجه الخصوص. “نوايا” المشيشي أسكتت حرب التصريحات، لا فقط بين “سعيد” والغنوشي، بل أسكتت أيضا أبواق عبير موسي التي، ومن ورائها حزب الدستور، قد لاقت الوئام مع “الحزب الإخواني المجرم”، كما تصفه، حركة النهضة، حول وثيقة الخطة الاقتصادية والاجتماعية التي يحملها المشيشي في رسالته لواشنطن، ليفضح هذا الوئام أساس العلاقة الرّسمية بين كل من حركة النهضة وحزب الدستوري الحر وقلب تونس وقيس سعيد الذي يشتركون جميعهم في استعدادهم لبيع البلاد مقابل الإبقاء على مناصبهم، وليفضح أيضا الانتماء لنفس المنظومة الاقتصاديّة، المنظومة الليبراليّة المتوحّشة، ويؤكد القول أن لا فرق بين النهضة والدستوري الحر وقلب تونس وأيضا قيس سعيد في مستوى البرنامج الاقتصادي والتوجهات السياسية العامة وأن اختلافاتهم هي فقط من أجل الظّفر بالحكم وإقصاء الآخر.

أيّ مضمون لخطّة الوفد المفاوض في تسطّير مستقبل تونس للسنوات القادمة؟

تتضمّن “خطّة” المشيشي وعودًا وإجراءات على مقياس صندوق النقد الدولي ستتعهد تونس بتطبيقها طبقا لإجراءات ستستمرّ لسنوات. في المقابل، ستحصل بلادنا، إذا وافقت الجهات المانحة، على قرض جديد سيرفّع نسبة المديونية لتصل 100 % من الناتج المحلي الاجمالي لسنة 2021، وهو ما يجعل تونس بلدا مفلسا رسميّا وما يعمّق بشكل مباشر استقلالية قرارها السيادي.

زد على ذلك، فإن هذا القرض مشروط بحزمة من الإجراءات تتمثل أساسا في رفع الدعم على المواد الأساسية، الشيء الذي سينجرّ عنه المساس بالمقدرة الشرائية للمواطن. إضافة إلى مواصلة تجميد الإنتداب في الوظيفة العمومية، ما سيرفّع نسب البطالة التي تجاوزت 17.5% حسب الأرقام الرسمية.
كما يشترط صندوق النقد الدولي شرطين أساسيّين: التخفيض في كتلة الأجور من 17.4 مليار دينار إلى 13 مليار دينار، والتفويت في المؤسسات العمومية بتعلة إنهاكها للخزينة العامة.

كل هذه الإصلاحات المفروضة من قبل صندوق النقد الدولي وتقبل بها صاغرة كل أطراف الحكم في بلادنا، من رئاسة وحكومة وبرلمان، تعتبر انتهاكا صارخًا ومباشرا للسيادة الوطنية للبلاد، كما أنها إصلاحات على حساب الفئات الشعبية لن تؤدي إلا لمزيد رهن القرار السّيادي لبلادنا من جهة وإلى مزيد تعميق الانكماش الاقتصادي والعجز التجاري ومزيد تراجع نسبة النمو من جهة أخرى.

كل هذه الخيارات اللاشعبيّة التي تتضمنها رسالة المشيشي تأتي وسط مناخ سياسي متعفّن يهدّد استقرار البلاد وأمنها خاصة وأننا نعيش وسط أزمة صحّة تُقابل بسياسة صحيّة غاب عنها الوضوح واتّسمت بالارتجالية والتردد وخضعت لضغوط اللّوبيات، حيث تأخّر جلب التّلاقيح لتونس ورافقت عمليّة توزيع المتوفّر منها فضائح المحاباة والزّبونيّة والفساد، كما غابت، بشكل يدعو إلى الرِّيبة، الحملات التحسيسية من أجل الإقبال الشعبي على التلقيح.

إن الوضع الذي تمرّ به بلادنا غير مطمئن بالمرّة. فبلادنا على شفا الإفلاس وسط مشهد سياسي يتّسم بالتعفن والتّرذيل، تتكبّد فيه الفئات الشعبيّة كالعادة تبِعات خيارات سياسيّة واقتصادية واجتماعية وصحّية لاشعبية، لذلك فهي مؤهّلة أكثر من أيّ وقتٍ مضى للنهوض بشكل مباشر وجدّي، وتوجد مؤشّرات ملموسة على ذلك، لإنهاء هذه المهازل التي تواصلت أكثر من عشر سنوات ووضع حد نهائي لهذه المنظومة التي لم تساهم إلا في مزيد تفقيره ورهنه وقتله يوما بعد يوم من أجل استعادة كرامة التونسي المهدورة.

علاء الجامعي

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×