الرئيسية / القضية الفلسطينية ماي 2021 / ردا على ما جاء في “توضيح” يمينة الزغلامي من مغالطات
ردا على ما جاء في “توضيح” يمينة الزغلامي من مغالطات

ردا على ما جاء في “توضيح” يمينة الزغلامي من مغالطات

بقلم: جيلاني الهمامي
نائب سابق

نشرت النائبة عن “حركة النهضة”، يمينة الزغلامي، تدوينة أرادتها “توضيحا” لموقف هذه الحركة من مسألة تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني، كما طرحت في المجلس التأسيسي عند مناقشة الدستور الجديد ثم لاحقا في البرلمان. وقد لاحظت أن ما أسمته الزغلامي “توضيحا” تضمن الكثير من المغالطات ومحاولات تكييف العديد من المعطيات بغاية “تبييض” موقف “حركة النهضة” التي تنتمي إليها وتنوبها في البرلمان من مسألة التطبيع. من هذا المنطلق أردت تقديم الملاحظات التالية لتوضيح المسألة توضيحا حقيقيا استنادا إلى الوقائع دون تحريف أو تزوير.

أولا: طرح هذا الموضوع زمن المداولات حول المسودات المتعاقبة لنص الدستور المعروضة على المجلس التأسيسي. ويذكر الجميع ماذا كان موقف حركة النهضة آنذاك. وهو ما تهربت النائبة الزغلامي من التذكير به خشية ان يثير السخط ضد حركتها في ظروف الغضب الحالية مما يجري في أرض فلسطين المغتصبة. أما إذا كانت النائبة يمينة الزغلامي قد نسيت فسأذكرها بما يلي:
– اعترضت حركة النهضة على اقتراح تخصيص فصل في الدستور أيام كان موضوع تداول داخل المجلس التأسيسي ينص صراحة على تجريم التطبيع مع العدو الصهيوني رغم أن هذا الاقتراح كان صادر عن حليفها في الترويكا آنذاك (حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي يرأسه منصف المرزوقي) وتعللت حركة النهضة آنذاك أنه لا يمكن إدراج المسألة في فصل لعدم تلاءمه مع بنية الدستور ووظيفته كنص قانون وادعت آنذاك انها لئن كانت “تتبنى” تجريم التطبيع فإنها لا ترى له مكانا في الدستور وتمسكت بترحيله إلى فترة لاحقة في شكل نص قانوني خاص وليس كقاعدة دستورية. وهكذا اسقطت ذاك المشروع بالنظر إلى هيمنتها العددية على تركيبة المجلس ولمحدودية عدد النواب المتمسكين بإدراج التجريم ضمن النص الدستوري. ونتيجة لموازين القوى داخل المجلس من جهة وتحت ضغط الشارع السياسي والشعبي تم الالتفاف على المسألة وأدرجت كمبادئ عامة في توطئة الدستور الجديد في الصيغة التي ذكرتها النائبة النهضوية الزغلامي.

– أذكّر هذه الأخيرة أن عماد الحمامي كان صرح على قناة “تونسنا” أن حركة النهضة كما جاء على لسانه حرفيا ” كنا ضد تمرير (تجريم التطبيع) في الدستور” بتعلة أنه “عندما نكون في حاجة لقانون لتجريم التطبيع نكون وقتها قد طبعنا وانتهى” (حاول تفهم؟؟). وأضاف أن حركة النهضة لا تعتبر التطبيع خيانة عظمى وأن موقفها من التطبيع هو نفس الموقف الذي تتخذه الجامعة العربية الخ… (انظر مقطع الفيديو الرائج على الشبكة).

في هذا المستوى ينبغي أن تعترف حركة النهضة ونائبتها يمينة الزغلامي أن لا مجال للعب على الكلمات ومحاولة استغلال ضعف الذاكرة لدى البعض لتنكر حقيقة موقفهم من هذه المسألة.

لقد كان واضحا أن حركة النهضة التي مسكت بأجهزة الحكم (البرلمان والحكومة) قد تحولت إلى حزب حاكم يتعاطى ككل الأحزاب الرجعية في المنطقة العربية مع الضغوط الدولية وخاصة الضغوط الامريكية والأوروبية وحتى الخليجية من أجل عدم السماح للمجلس التأسيسي ثم البرلمان في ظل سيطرتها عليهما بـ”اقتراف” هذه السابقة/الخطيئة خشية أن تتشجع برلمانات وحكومات أخرى على السير عليها. ومثلما قال صلاح الدين الجورشي العارف بخفايا حركة النهضة إن الحركة سبّقت سنوات حكم الترويكا مصلحتها الحزبية على مصلحة فلسطين وعلى حساب المبادئ. إن حركة النهضة المنشغلة ببلائها في الحكم في ظل الضغوط الداخلية والتقلبات الدولية وخاصة في المنطقة العربية وفي علاقة بحركات “الإسلام السياسي” تحرص كل الحرص على “تجنب إثارة مخاوف القوى الغربية منها، وهو ما جعلها حريصة على تقديم نفسها كطرف سياسي معتدل، من خلال التزامها الصريح أو الضمني بعدم تجاوز «الخطوط الحمراء»، وفي مقدمتها رفع درجات العداء لإسرائيل”. (أنظر صلاح الدين الجورشي – جريدة الأمان – العدد 1461 /12-5-2021 مقال بعنوان : تونس تتجه نحو تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني الرابط : تونس تتّجه نحو تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني | الأمان الدولي | مجلة الأمان (al-aman.com)).

وفضلا عن كل ذلك فإن اللقاءات التي جمعت قادة حركة النهضة بعدد من كبار الساسة الغربيين، أمريكان وأوروبيين، مثل أولبرايت وجون ماكين والانخراط في مخططات تفجير المنطقة مثل مؤتمر “أصدقاء سوريا” كانت كلها من المقدمات التي “ورطت” حركة النهضة وألزمتها بالانسياق في نهج الخضوع للقوى العظمى وعدم معاداة الكيان الصهيوني.

هذه حقائق ليس بوسع النائبة الزغلامي نكرانها.
ثانيا: صحيح أن البرلمان لم يعقد جلسة للتصويت على مشروع قانون تجريم التطبيع. ولكن لسائل ان يسأل النائبة الزغلامي لماذا؟
المعروف أن الكتلة النيابية للجبهة الشعبية كانت قدمت في ديسمبر 2015 مبادرة تشريعية اقترحت مشروع قانون لتجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني. وهي اول مبادرة تشريعية تقدمها الكتلة. وقد جاء في الفصل الأول من مشروع القانون ما يلي ” يعد مرتكبا لجريمة التطبيع مع الكيان الصهيوني كل من قام أو شارك أو حاول ارتكاب عمليات الاتجار والتعاقد والتعاون والمبادلات والتحويلات بكل أنواعها التجارية والصناعية والحرفية والمهنية والمالية والخدمية والثقافية والعلمية بمقابل أو بدونه بصفة عرضية أو متواترة وبشكل أو عبر وساطة من قبل الأشخاص الطبيعيين أو المعنويين من ذوي الجنسية التونسية مهما كان مكان إقامتهم والأشخاص الطبيعيين والأشخاص المعنويين المقيمين بالجمهورية التونسية سواء كانت إقامتهم مؤقتة أو دائمة مع كل الأشخاص الطبيعيين والمعنويين الذين لهم علاقة مهما كانت طبيعتها مع مؤسسات دولة إسرائيل الحكومية وغير الحكومية العمومية والخاصة. بالإضافة إلى المشاركة بأي شكل من الأشكال في الأنشطة والفعاليات والتظاهرات والملتقيات والمعارض والمسابقات بأنواعها السياسية والاقتصادية والعلمية والثقافية والفنية والرياضية التي تقام على الإقليم الذي تحتله وتتحكم فيه سلطات دولة إسرائيل الحكومية وغير الحكومية سواء كانت عمومية أو خاصة من الذوات الطبيعيين أو المعنويين خارج إقليم دولة إسرائيل”

هذا المشروع ظل سجين رفوف مكتب المجلس الذي يسيطر عليه، على صورة البرلمان ككل، ائتلاف النهضة ونداء تونس. فقد رفض مكتب المجلس في أكثر من مرة إحالة مضروع القانون على اللجنة المعنية بالنظر فيه. وكان ينبغي انتظار اتخاذ الرئيس الأمريكي قرار نقل سفارة بلاده لدى دولة الكيان الصهيوني لتثار المسألة من جديد وليقع تحت ضغط الراي العام والقوى التقدمية المنتصرة للقضية الفلسطينية داخل البرلمان نفسه إحالة مشروع القانون على نقاش النواب ليس في إطار اللجنة المختصة وإنما في شكل نقاش للتنسيق بين مشروعين في نفس الموضوع (تجريم التطبيع) أي مشروع الجبهة الشعبية ومشروع نداء تونس. وهو مشروع تم اختلاقه لتبرير عملية النقاش والتنسيق بين المشروعين كعملية تمويهية للالتفاف على الموضوع وتمييعه ثم التخلي عنه تماما. وهو حصل فعلا. لهذه الأسباب لم يقع النظر في مشروع قانون تجريم التطبيع الوحيد الذي تقدمت به كتلة الجبهة الشعبية آنذاك.

وفي كل هذا ماذا كان موقف حركة النهضة؟ هل ساندت فكرة المصادقة على قانون لتجريم التطبيع؟ أم عملت قصارى جهدها من اجل ان لا يمر مثل هذا المشروع على أنظار اللجنة المختصة والجلسة العامة؟ ألم يعترض ممثلو النهضة في مكتب المجلس على طلب إحالة المشروع على اللجنة؟ ألم تدبر كتلة النهضة مع نداء تونس “قصة التنسيق” بين “مشروعين”، أحدهما وهمي، للحيلولة دون أن يقع النظر جديا في المشروع والمصادقة فعلا على قانون لتجريم التطبيع.

كانت حركة النهضة منذ 2011 الطرف الأساسي في الحكومات المتعاقبة. وكانت في أكثر من حكومة هي الماسكة بوزارة الداخلية. وحتى عندما تولى هذه الحقيبة وزراء “مستقلون” فقد زرعت النهضة عيونها في مصالحها الأكثر حساسية (الفنية والامن العام الخ…). لذلك هي أدرى الناس في تونس بالوضع الأمني وبالخصوص بما حصل في البلاد من اختراقات امنية خطيرة. فالبلاد أصبحت مرتعا للمخابرات الأجنبية بما في ذلك المخابرات الصهيونية. وتأكد ذلك بما لا يدع مجالا للشك إثر اغتيال الشهيد محمد الزواري موفى سنة 2016.

لهذا السبب وحده كان يفترض أن تكون حركة النهضة بحكم ما لديها من معطيات حول مخاطر التغلغل المخابراتي الصهيوني في بلادنا ان تبادر وفي اقل الأحوال ان تكون من ضمن القوى الحريصة فعلا على سن قانون تجريم التطبيع واتخاذ كل مل يلزم من الإجراءات لمعاقبة كل من يتعامل مع الكيان الصهيوني باي شكل من الاشكال وفي أي مجال من المجالات. لكن الحقيقة غير ذلك تماما.

وأظن ان تصريحات الناطق الرسمي للحركة عماد الخميري اليوم الاثنين 17 ماي توضح بدقة موقف حركة النهضة الرافض لتجريم التطبيع ذلك أنه تهرب من الإجابة عن سؤال واضح ودقيق (هل ستصوت النهضة لقانون يجرم التطبيع؟) متمسكا بالقول ان حركته ستصوت لكل قانون يدعم القضية الفلسطينية وهو يعلم جيد العلم ان الامر لا يتعلق بـ”الدعم” كمفهوم عام ومجرد وإنما يتعلق بموقف دقيق الا وهو التصويت على قانون يجرم التطبيع. ومن جهة أخرى اشترط الخميري أن يكن ذلك ” في خيار فيه كل الأطراف وخاصة الحكومة ورئاسة الجمهورية والأطراف التي تمثل الجانب المالي التي يجب ان تعطي رأيها في مثل هذه القوانين أي قانون التجريم لأننا لا نملك نموذجا لهذه القوانين …”. وهو ما يعني أن حركة النهضة ستمتنع عن التصويت على قانون ترى فيه “الأطراف التي تمثل الجانب المالي ” خطرا على الميزانية وعلى إمكانية الحصول على قروض من مؤسسات التسليف العالمية والتي هي منحازة انحيازا مطلقا للكيان الصهيوني.

بعد كل هذا هل مازال بمقدور النائبة النهضوية يمينة الزغلامي أن تنسب إلى حركتها تلك المواقف التي ذكرتها في علاقة بالقضية الفلسطينية.

جيلاني الهمامي

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×