الرئيسية / صوت العالم / عندما يحتلّ مئات الآلاف من المواطنين الشوارع في البرازيل!
عندما يحتلّ مئات الآلاف من المواطنين الشوارع في البرازيل!

عندما يحتلّ مئات الآلاف من المواطنين الشوارع في البرازيل!

مرتضى العبيدي

من شمال البلاد إلى جنوبها، وفي جميع أنحاء البرازيل، انتظمت يوم 29 ماي الجاري مظاهرات عارمة احتل خلالها المواطنون شوارع المدن البرازيلية الرئيسية للمطالبة برحيل حكومة الإبادة الجماعية لبولسونارو وموراو وجويديس (Mourão, Guedes Bolsonaro)، دفاعا عن الحياة وعن حقوق الطبقة العاملة، ضد هجمات رأس المال، والخصخصة، والتفويت في الملك العام، وتدمير البيئة، وضد القمع المسلط على شباب الأحزمة الفقيرة لكبرى المدن والتي يقطنها خاصة السكان السود والشعوب الأصلية، وللتنديد بتفاقم العنف المسلّط على النساء. فكان الحضور متعددا يترجم على تعدّد المجتمع البرازيلي وثرائه، إذ حضر الطلاب ونشطاء الحركات الشعبية والحركة النقابية والأحزاب السياسية اليسارية والحركات النسائية والجندرية والجمعيات والمنظمات المكافحة.

كانوا بمئات الآلاف في جميع أنحاء البلاد، وشاركوا في الاحتجاجات التي جرت في أكثر من 200 مدينة برازيلية، في أكبر احتجاج شعبي انتظم وسط الوباء. وقد التزم المشاركون بالنظام وباحترام البروتوكول الصحي بارتداء الأقنعة والحفاظ على مسافة أمان بين المتظاهرين. ورغم ذلك تدخلت الشرطة العسكرية في مدينة “ريسيفي” وقمعت بعنف همجي غير مبرر المظاهرة التي كانت تجري سلميا، في كل مكان في البرازيل.

ليرحل بولسونارو وموراو وجويديس! لتسقط الرأسمالية!
أدّت الأزمة الصحية لـCovid-19 إلى تعميق الأزمة الشاملة للرأسمالية. ففي البرازيل، بالإضافة إلى حملة التلقيح التي تتقدم ببطء، يتعين على العمال مواجهة الارتفاع الهائل للبطالة، والزيادة في أسعار الوقود، والغاز المنزلي، وأسعار المواد الغذائية الأساسية، ومن المساعدات الظرفية المخزية التي تتباهى الحكومة بتقديمها للفقراء. كما يواجهون برامج “الإصلاح الهيكلي” الذي يهدف إلى تدمير المزيد من حقوق العمال وتسريع خصخصة الخدمات العامة. إذ يتزايد الجوع والفقر بشكل مثير للفزع، ويؤثر بشكل رئيسي على النساء والرجال السود، والشعوب الأصلية و”الكيلومبولا” (quilombolas) وهم شرائح من أصول إفريقية فرّوا منذ قرون من نظام العبودية وشكّلوا منذ القرن 17 مجتمعات سرّية في الأدغال بعيدة عن عيون الأسياد وبطشهم، وهم يشكّلون إلى اليوم الفئة الأكثر معاناة من الحيف الاجتماعي والاقتصادي.

وقد كانت الفكرة التي ركزت عليها القوى اليسارية دعايتها لإقناع الناس بالنزول إلى الشارع هي أنّ حكومة الإبادة الجماعية أكثر خطورة وفتكًا من فيروس كورونا، وأنّ النظام الرأسمالي هو في الواقع الفيروس الذي يجب محاربته وتدميره، وهو أمر يتجاوز الحكومات القائمة مهما كان لونها. لكن جميع الفعاليات التي دعت إلى هذا الحراك الجماهيري ونظمته تتفق على أنّ مهمتها الآنية تتمثل اليوم في هزم حكومة بولسونارو وموراو وجويديس في الشوارع والإطاحة بها.

وقد ذكر أحد الخطباء في إحدى المسيرات أنه “عبر التاريخ، لم يتوقف أيّ مجتمع عن القتال كلما وصلت الأزمة إلى حدّ لا يطاق. واليوم فإنّ الأزمة البرازيلية وصلت إلى حدود لا تطاق. إنّ أكثر من 20 مليون عاطل عن العمل، وأكثر من 30 مليونًا في التشغيل الهش في القطاع الموازي و19 مليونًا ممّن هم تحت خط الفقر لم يعودوا قادرين على تحمّل نتائج الأزمة بهدوء لفترة طويلة، حتى في ظل القيود التي يفرضها الوباء… إنّ مظاهراتنا اليوم ليست مجرّد تمرين في “علم المستقبل”، ولكنها تعبير عن السخط على المأساة التي نعيشها بشكل أكثر فعالية.”

وأضاف متدخل ثان أنه “لم يعد من المنطقي ولا المقبول في الوقت الحاضر النضال فقط على وسائل التواصل الاجتماعي أو القيام بأعمال رمزية. لقد كانت هذه الأشكال مهمة في وقت ما، و لعبت دورًا في إبقاء الشعلة حية، لكن الوضع الحالي يتطلب تغييرًا في التكتيكات، لأنّ الطبقات الحاكمة وحكومة الإبادة الجماعية يواصلان هجماتهم لأنهم لم يتلقّوا الإجابة الشعبية التي يتطلبها الوضع والتي تساهم في بدء تحوّل في موازين القوى. ولا يمكننا فعل ذلك إلاّ بالمظاهرات الشعبية ودخول الطبقة العاملة ساحة القتال بقوة، من خلال الإضرابات دفاعا عن الحق في الحياة”.

أمّا في الكونجرس (وهو الاسم الذي يطلق على غرفتي البرلمان في البرازيل)، فيواصل ممثلو البرجوازية ضغطهم على بولسونارو للحصول على مزيد التنازلات والامتيازات لصالحهم، ملوّحين بورقة عزله التي تقدمت بها بعض الكتل والتي يتمّ إرجاء النظر فيها كل مرّة لمزيد الابتزاز. في حين تهيّئ الاشتراكية الديمقراطية (حزب العمال خاصة) نفسها لتشكل بديلا عن حكومة أقصى اليمين هذه، وهي تكتّل قواها وتحافظ عليها لربح معركة الانتخابات القادمة لسنة 2022، بتباينها مع الحراك الشعبي ولوكها لخطاب التوافق الطبقي.

إنّ القوى الثورية والراديكالية التي ساهمت في تنظيم هذا الحراك تعتبر أنّ يوم 29 ماي يدخل في سجلّ النضالات في البرازيل كنقطة تحوّل ضرورية ولا رجعة فيها، ممّا يطرح على المنظمات التي تناضل من أجل حقوق الطبقة العاملة، ومن أجل الحريات الديمقراطية وضد الهجمات الممنهجة لرأس المال، على الاستمرار في الشوارع، ومزيد تكتيل القوى. ومن الناحية العملية، فهم يطرحون الإسراع بهيكلة الجبهة المناهضة للرأسمالية والمناهضة للإمبريالية القادرة على هزم حكومة الإبادة الجماعية والتقدم في بناء السلطة الشعبية باتجاه الاشتراكية.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

1 × 3 =

إلى الأعلى
×