الرئيسية / صوت الوطن / خطان أحمران
خطان أحمران

خطان أحمران

علي البعزاوي

تفاعلا منه مع الإجراءات الاستثنائية التي أعلن عنها رئيس الدولة يوم 25 جويلية وفي إطار مزيد توضيح موقفه من الانقلاب، الانقلاب على الدستور وعلى الديمقراطية وليس على الشرعية الانتخابية مثلما ادعى البعض في محاولة لإظهار موقف حزب العمال على أنه متماهي مع موقف حركة النهضة، رسم حزب العمال خطين أحمرين يتمثل الأول في رفض العودة إلى ما قبل 2011، والثاني في عدم الرجوع إلى وضع ما قبل 25 جويلية. هذا ما نريد توضيحه للرأي العام حتى يستوعب الموقف في كل أبعاده تجنبا لكل سوء فهم او مغالطة.

لا للعودة إلى ما قبل 2011
إنّ احتكار الرئيس قيس سعيد لكل السلطات بما فيها السلطة القضائية ومنع العديدين من السفر ووضع البعض الآخر تحت الإقامة الجبرية دون احترام للإجراءات القانونية ودون مراعاة لحقوق المتهمين من جهة ومعرفتنا لثقافة الرجل المحافظة سواء في علاقة بموقفه من المساواة في الميراث أو موقفه من حكم الإعدام، ورفضه للأحزاب وللمنظمات، وإعلانه عن إمكانية العودة إلى دستور 1959، وافتقاده لأيّ مشروع حكم واضح بكل أبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها بما يساعد على التعاطي معه على أسس واضحة. كل هذه العناصر مجتمعة ومعها أسباب أخرى لم نأت عليها تجعلنا متخوفين من إمكانية عودة الرجل إلى مربع الحكم الفردي المطلق وهو أمر ممكن للأسباب التي وقع ذكرها. لذا حذرنا من مغبة الانقلاب على مكسب الحقوق والحريات واعتبرنا ذلك خطا أحمر وجبت مقاومته بكل الأشكال المتاحة في إطار الحفاظ على مكاسب الثورة.

إنّ أيّ عودة إلى مربع الاستبداد سنواجهها بالأشكال النضالية الملائمة وسندعو كل القوى المدنية والسياسية إلى تحمل مسؤولياتها في الذود عن مكاسب الثورة التي فرضها الشعب التونسي بالدماء والتضحيات.

إنّ تونس لن تعود إلى الوراء في علاقة بمسألة الحقوق والحريات والشعب التونسي لن يقبل بالعيش مثلما كان زمن الطاغية بن علي ( حكم فردي مطلق-تعددية شكلية-قمع ممنهج لحرية الإعلام والصحافة والتعبير- محاولة السيطرة على المنظمات…).

الرجوع إلى ما قبل 25 جويلية خط أحمر
نعتقد أنّ تجميد نشاط البرلمان بقطع النظر عن مشروعيته لا يكفي فالمطلوب حله باعتباره عنوان الفشل والتجاذب وأحد أسباب توتير المناخ العام وتوفير شروط الانزلاق نحو العنف في البلاد، إلى جانب خدمة اللوبيات على المكشوف. ما حصل من صراعات وعنف داخل قبة البرلمان بما فيه من ترذيل للمشهد السياسي هو أحد أسباب رفض فئات واسعة من الشباب الانخراط في الشأن العام.

إنّ المداخل الدستورية والقانونية لحل البرلمان متوفرة أمام رئيس الدولة لكنه لم يفعلها (قرار محكمة المحاسبات والفصل 163 من المجلة الانتخابية) وهناك خشية من إعادة البرلمان للنشاط استجابة للضغوطات الخارجية والعودة إلى حالة من التعايش والتوافق بين الفرقاء وهذا ما نرفضه وسنواصل النضال مع أبناء شعبنا والمراكمة من أجل إسقاط المنظومة بكل مكوناتها لأنها لا تملك حلولا لقضايا الشعب والبلاد.

إنّ عدم العودة إلى ما قبل 25 جويلية يعني حل البرلمان وتجاوزه كمؤسسة تشريعية لأنه منتهي الصلاحية ولم يعد قادرا على معالجة الأزمة. وحزب العمال يتعاطى مع هذه المسألة ليس من زاوية الاصطفاف وراء قيس سعيد والتعويل عليه لإنجاز هذه المهمة لأنه غير مضمون وله أجنداته الخاصة وعلاقاته الإقليمية والدولية التي تكيّف سلوكه وتحدد قراراته بهذا القدر أو ذاك خاصة وأنّ الرئيس بحاجة إلى التمويلات وإلى الدعم الخارجي حتى يستمر في الحكم ويجنب البلاد مزيد الهزات التي بإمكانها أن تعصف بمنظومة الحكم.

حزب العمال يعوّل على النخب الثورية والتقدمية وعلى الشعب التونسي من أجل فرض هذا الحل وله برنامج بديل يتمثل في الديمقراطية الشعبية وسيعمل على مزيد التعريف والاقناع به لانه الجواب الثوري عن ازمة المنظومة وعن حالة الشلل التام التي تعيشها.

الديمقراطية الشعبية هي الحل
إنّ تجاوز البرلمان لا يعني العودة إلى برلمان جديد بنفس المواصفات. الحل ليس في انتخابات جديدة بإشراف منظومة الحكم ولو بقانون انتخابي معدل مثلما يرى البعض. ففي هذه الحالة لن يحصل التغيير المنشود ولن يتغير حال التونسيات والتونسيين نحو الأفضل لأنهم سيجدون أنفسهم أمام برلمان بنفس المكونات (ولو بنسب تمثيل مختلفة عما كان عليه الوضع في السابق) وبنفس الخيارات الرأسمالية التابعة. لا فرق في تقديرنا بين برلمان بأغلبية نهضاوية وآخر بأغلبية للدستوري الحر أو لأتباع قيس سعيد لأنّ الخيارات الاقتصادية والاجتماعية والعلاقة بصندوق النقد الدولي والارتهان للقوى الإقليمية والدولية لن تتغير إلا بصورة شكلية وجزئية وسيستمر الوضع على حاله. ما سيحصل مجرد تغيير في الأدوار بين القوى الرجعية والشعبوية التي ستعمل كلها على صيانة المنظومة وتحصينها من أي هبّة شعبية محتملة.

البلاد بحاجة إلى مؤسسة بديلة (المجالس الشعبية) تعبّر عن الشعب وتكرّس ديمقراطية واسعة تتمثل فيها كل الفئات من عمال وموظفين وشباب ونساء وحرفيين وفلاحين وغيرهم. هذه المجالس الشعبية يقع انتخابها بطريقة ديمقراطية وعلى قاعدة قانون انتخابي جديد أساسه التمثيل النسبي والتمويل العمومي للحملات الانتخابية والمساواة التامة بين القائمات المتنافسة مع تجريم المال الفاسد ومنع استعمال الدين وتوظيف المساجد واعتماد النزعات الجهوية والعروشية في الحملات الانتخابية. هذا إلى جانب حق الناخبين في سحب الثقة ممن وقع انتخابهم عند الاقتضاء.

المجالس الشعبية المنتخبة ديمقراطيا تتمتع بحق انتخاب المسؤولين في الدولة في كل المستويات والقطاعات وحق سحب الثقة منهم كلما انحرفوا عن الأهداف التي انتخبوا من أجلها. كل عناصر السلطة التنفيذية يخضعون للانتخاب والعزل. إنّ معضلة المعضلات في ديمقراطية التمثيل النيابي الحالية هي استفراد السلطة التنفيذية بسلطات القرار بعيدا عن المراقبة والمحاسبة الشعبية. والناخبون مجبرون على انتظار الدورة الانتخابية القادمة لإحداث التغييرات الممكنة ومعاقبة من أخلّوا بواجباتهم. بينما تعالج الديمقراطية الشعبية المسألة جذريا وبسرعة عبر اللجوء إلى حق سحب الثقة إلى جانب المراقبة والمحاسبة الدائمتين.

إضافة إلى هذا تتيح الديمقراطية الشعبية للشعب حق المشاركة في سن القوانين والميزانيات والنظر في الاتفاقيات الدولية ومدى خدمتها لمصالح الشعب واحترامها للسيادة الوطنية. الشعب التونسي شريك دائم في سلطة القرار في دولة الديمقراطية الشعبية، وهو مطالب بالانخراط ولعب دور متقدم في الشأن العام درءا لكل أشكال البيروقراطية والانفراد بالسلطة والانحراف بها نحو تحقيق الأغراض الخاصة.

المتابعة والمحاسبة الشعبية المنظمة بقوانين تضمن السير الإيجابي لمؤسسات الحكم وتقطع دابر الفساد وتعيد للسياسة مجدها وأخلاقياتها فيقبل الجميع على المشاركة فيها باعتبار الدولة دولتهم والسلطة ملك للشعب.

هذا جوهر الإشكالية المطروحة اليوم أمام أنظار الشعب. المسالة لا علاقة لها بالنظام السياسي مثلما تسوّق لذلك بعض أطراف المنظومة في محاولة لتهيئة الرأي العام للاستعاضة عن النظام الحالي بنظام رئاسي يفتح الأبواب أمام قيس سعيد لاحتكار السلطة مع دور شكلي للبرلمان وللمؤسسات الدستورية المستقلة إن كتب لها الوجود في الدستور القيسي.

إنّ النظام السياسي المنشود لا يتعلق بشكل الحكم (رئاسي أو برلماني…) بل بالمضمون. والشعب التونسي بحاجة إلى نظام جديد مختلف يكرّس السيادة الوطنية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية الشعبية في ظل دولة قانون ومؤسسات ديمقراطية تعود السلطة فيها إلى الشعب.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×