الرئيسية / صوت الوطن / مقدّمات نهوض الحراك الشّعبي وإطلالة الاستبداد
مقدّمات نهوض الحراك الشّعبي وإطلالة الاستبداد

مقدّمات نهوض الحراك الشّعبي وإطلالة الاستبداد

عمار عمروسية

يبدو أنّ السْاحة السياسية والاجتماعية في بلادنا مُقدمة على مناخات شديدة التّقلبات والتّوترات التي من الممكن أن تعصف بهذا الهدوء المغشوش.

فالجميع يعلم أنّ الأوضاع السياسيّة والاجتماعيّة مثقلة إلى حدود كبيرة بما يوحي تقريبا إلى حتميّة الهزّات والعواصف القادمة في كلّ وقت وحين.

فهذا الاعتقاد شائع في كلّ الأوساط الإعلاميّة والشعبيّة والسياسية بما فيها قوى الحكم التي عبّر بعض المتنفّذين منها في مناسبات عديدة عن خطورة الأوضاع وإمكانيات انفجار الأوضاع.

فمنطق الأشياء يفترض بعد هذا من منظومة الحكم منذ أسابيع تعديل السياسات الاجتماعية والاقتصادية بما يخفّف فتائل الأزمة ويحدّ من منسوب الاحتقان، غير أنّ العكس هو الذي حصل.

فمنظومة الحكم واجهت تردّي الأوضاع ليس فقط بالتّجاهل والتّسويف وإنّما بمزيد المضيّ في نفس الخيارات والمعالجات تحت مزاعم الحرب على “كورونا”.

فمنظومة الحكم أخذت على عاتقها الإسراع بصبّ النّار على الزّيت كما يقال وتحولّت بسرعة غريبة إلى مصدر وقود لتغذية مشاعر السّخط والغضب في الوسطين “النخبة” والشعب.

ذاك السّخط الذي عبّر عن نفسه في موجة واسعة اجتاحت الشبكة الاجتماعية شعارها الأبرز الاستعداد لخوض منازلة جديدة ضدّ مراكز “السيستام” الفاسد وخاصّة “البرلمان”.

فالسّيل الجارف من تلك الدّعوات ضمّ تنوّعا سياسيّا واجتماعيّا واسعا وزخما شعبيا أشمل يعكس بدايات تحولّ في المزاج الشعبي العام لم يعد قابلا بحدود التّذمر والشكوى من استشراء الفساد والمحسوبية وتفشّي البطالة وجميع مظاهر التّهميش والاحتكار.

والحقيقة أنّ هذه الموجة وإمكانية ليس فقط اتّساعها وإنّما مرورها إلى مجال العمل الميداني الملموس ليست بالأمر البعيد عن التّحقيق بالنّظر إلى الاختناق الاجتماعي الكبير وتفاقم الأزمة العامّة التي يدفع فاتورة تكلفتها كالعادة العمّال والشغّالون والجمهور الواسع من المهمّشين في الرّيف والمدينة على حدّ السّواء.

وهي-دعوات الاحتجاج- ردّة فعل منطقية على تقهقر الشروط الحياتيّة للنّاس.

كان من الأنسب على الممسكين بزمام الحكم البحث في أسبابها العميقة والإسراع بالمعالجات السياسية والاقتصادية والاجتماعية عوض الهروب إلى الأمام والتّحصن بالإنكار واستعادة خطاب التّخوين والتّجريم.

أفظع من ذلك فالنيابة العمومية الغارقة حتّى وقت قريب في سبات عميق أمام العشرات من الجرائم الاقتصادية والسياسية سارعت بالتّحرك وفتح قضيّة في الغرض!!! بما يوحي بطبيعة الحال بعودة الإيقافات العشوائية والمحاكمات الجائزة والعودة بالبلاد إلى مربع الاستبداد والقهر الذي ثار ضدّه شعب تونس منذ 17 ديسمبر 2010.

فالمتّمعن في تصريحات بعض المتنفّذين من أطراف الحكم في علاقة بهذه المسألة تعود به الذاكرة إلى زمن الهمجية والاستبداد. فالمفردات اللغوّية متشابهة وأحيانا متطابقة وجميع منطلقاتها واهية وغير مقبولة بالمرّة. فشرعية صناديق الاقتراع لا تُلغي حقوق المواطنين والمعارضة من مشروعية المطالبة بالتّغيير والعمل من أجله. فهذا الحقّ بما في ذلك الدّعوة إلى تفكيك “سيتام” الفساد والظلم الاجتماعي والتّبعية الخ… من صميم العمليّة الديموقراطية المكفول بقوّة الدّستور التونسي.

و”الحرب على كورونا” أو غيرها لا تعطي شرعية لهذه المنظومة حقّ مصادرة المكسب الوحيد الأساسي للثّورة التّونسيّة ونقصد حريّة التعبير والرأي وحقّ التّظاهر والاعتصام.

والحقيقة أنّ اندفاع بعض المتنفّذين تمثل وصمة عار لهم ولأحزابهم فالتّلويح بالقبضة الحديدية والهراوات لن يسهم إلاّ في تعفين الأوضاع والعودة بالأضرار على أصحابه.

وعلى أيّ حال فمثل هذه الاستدارة هي من العلامات الأكيدة على تعاظم الفشل في هذه المنظومة المتآكلة.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×