الرئيسية / صوت العالم / خيانات الحكّام العرب للقضية الفلسطينية تاريخ لا ينتهي…
خيانات الحكّام العرب للقضية الفلسطينية تاريخ لا ينتهي…

خيانات الحكّام العرب للقضية الفلسطينية تاريخ لا ينتهي…

مرتضى العبيدي

طرحت الحرب العدوانيّة الجديدة التي يشنّها الكيان الصهيوني العنصري على الشعب الفلسطيني مجدّدا قضية البُعد العربي للقضية الفلسطينية. إذ أنّ اتفاقيات سايكس ـ بيكو (1916) الاستعمارية وبعدها وعد بلفور (1917)، لم تكن تستهدف فلسطين وحدها بل كافة المنطقة العربية، أرضا وشعوبا. لذلك كانت الشعوب العربية، مع كلّ محنة، تعبّر تلقائيا عن تمسّكها بالقضية، فتهبّ لنصرة فلسطين متحدّية كل العراقيل وأوّلها أنظمتها التي كانت تقف حائلا دونها. ولم يقتصر الأمر على شعوب الجوار بل تعدّاها إلى عامّة الشعوب العربية مشرقا ومغربا.
وفي المقابل من ذلك، كان موقف الأنظمة في مختلف مراحل الثورة الفلسطينيّة مناقضا تماما، متواطئا حدّ الخيانة:
ـ ففي ثورة 1936، وفي خضمّ خوض الشعب الفلسطيني للإضراب العام ضدّ السياسات البريطانية والذي تجاوز الستّة أشهر، بادرت الحكومات العربية بإرسال برقيّات إلى اللّجنة العربية العليا التي كانت تدير الثورة الفلسطينية الكبرى لتطلب منها إنهاء الإضراب وترك المجال للتفاوض. ولمّا استجاب الفلسطينيّون لهذه البرقيات، وأنهوا الإضراب الأطول في التاريخ الحديث، أرسلت بريطانيا “لجنة بيل الملكية” التي أصدرت توصياتها بتقسيم فلسطين، ولم يكفّ رفض هذه التوصيات بل وحتى اندلاع الثورة من جديد لإيقاف النزيف الذي سيعمّق الجرح ويخلق أمرا واقعا جديدا، كان لخيانات حكّام العرب دور في تكريسه رغم تمسّكهم قولا بمهمّة حماية فلسطين من الغزو الصّهيوني الزاحف.
كان تأسيس جامعة الدول العربية سنة 1945 بسبب قضية فلسطين، ولم تدّخر هذه الأخيرة جهدا في إصدار بيانات الشّجب والتنديد حتى أنها وصلت إلى درجة لم يعد بإمكانها إصدار حتى مثل هذه البيانات. فمنذ القمّة الأولى التي عُقدت بزهراء أنشاص بمصر سنة 1946 بدعوة من الملك فاروق، والتي حضرتها البلدان السبعة المؤسِّسة للجامعة (مصر، الأردن، السعودية، اليمن، العراق، سوريا ولبنان)، لم يصدر عن القمّة بيانا ختاميا، بل اكتفت بمجموعة من القرارات أهمّها مساعدة الشعوب العربية المستعمرة على نيل استقلالها واعتبار القضية الفلسطينية “قلب القضايا القومية”، ويقتضي ذلك الوقوف في وجه الصهيونية باعتبارها خطرا لا يهدّد فلسطين فحسب وإنّما جميع البلدان العربية والإسلامية.
لم تمنع هذه النوايا الغرب الاستعماري من تكريس جريمته، فوافقت هيئاته المُحدثة غداة الحرب العالمية الثانية على سلسلة من القرارات الجائرة في حقّ الشعب الفلسطيني وعلى رأسها قرار التّقسيم (181) وتوابعه مثل قرار العودة (194) الصادر بتاريخ 11/12/ 1948 والذي ينصّ على إنشاء لجنة توفيق تابعة للأمم المتحدة وتقرير وضع القدس في نظام دولي دائم وتقرير حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم في سبيل تعديل الأوضاع بحيث تؤدي إلى تحقيق السلام في فلسطين في المستقبل.
ثمّ جاءت حرب 1948 فوضعت هذه الأنظمة على المحكّ ورفعت عنها قناع الزّيف وكشفت المستور، إذ أنّ الخيانات جاءت متعدّدة ومتنوّعة: فهذا الملك عبد الله يسلّم مدينتي “اللد” و”الرملة” للصّهاينة دون قتال لنيل ثقتهم بعد أن أمر القوّات العربية التي وصلت إلى أبواب تل أبيب بالتراجع إلى الوراء والعودة إلى مراكزها متيحا الفرصة للصهاينة لتنظيم صفوفهم وجلب الأسلحة والمعدّات للتصدي للقوات العربية. وهذا النظام المصري الحاكم آنذاك وعلى رأسه الملك فاروق يرسل جيش مصر إلى الحرب بسلاح فاسد وبلا ذخيرة ومعدّات لكي يلقى الهزيمة على يد الصهاينة. بل إنّ الجيوش العربية عندما دخلت إلى فلسطين، قامت بسحب الأسلحة من الفلسطينيّين، في الوقت الذي كان يُنتظر منها أن تسلّحهم من أجل الدفاع عن وطنهم، وهكذا بدأ ضياع فلسطين وانتهى أمر شعبها إلى الشّتات والتّيه في أصقاع الأرض، لتبدأ مأساته في مخيّمات اللّاجئين التي ما زال فيها إلى يومنا هذا. فكانت النّكبة وكان التّهجير الذي شمل ما لا يقلّ عن 940 ألف فلسطيني أُرسِلوا بلا رجعة إلى المخيّمات والمنافي.
وتتالت بعد ذلك القِمم العربية متشابهة، معلومة النتائج مُسبقا حتى أنّها لم تعد تشكّل حدثا ذا قيمة، تُعقد وتنتهي ولا تعيرها الشعوب العربية أيّ اهتمام، إلّا فيما ندر مثل قمة الخرطوم أوت 1967 والمعروفة بقمة “اللّاءات الثلاثة” (لا صلح، لا اعتراف، لا تفاوض) والتي انعقدت غداة حرب الأيّام الستّة التي أدّت إلى احتلال الكيان الصهيوني للضّفة الغربية وقطاع غزّة وسيناء وهضبة الجولان، أو قمّة الرباط سنة 1971 والتي تحوّلت خلالها فلسطين من “قلب القضايا القومية” إلى قضية الفلسطينيّين، باعترافها بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثّلًا شرعيًّا ووحيدًا للشعب الفلسطيني. 

وحتّى النصر الذي أحرزه الجيش المصري في حرب أكتوبر 1973 لم يؤدّ إلى المطلوب بل سرعان ما التفّت عليه القوى العظمى لتحويله إلى هزيمة للشعوب العربية عندما تمّ اعتماده لإبرام اتّفاقية صُلح منفصلة بين مصر والكيان الصهيوني الذي ستفتح الباب أمام مسار جديد: مسار التطبيع والاعتراف بالكيان الصهيوني والتنازل عن الأراضي الفلسطينية المحتلّة وعن الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني. وهو مسار انطلق في كامب ديفيد ذات 17 سبتمبر 1978 ولم يتوقّف ­إلى يوم الناس هذا، وقد تمخّضت عنه معاهدة أوسلو سيّئة الصِّيتِ (1993) بين منظّمة التحرير والكيان الصهيوني، ومعاهدة وادي عربة التي تعلن نهاية حالة الحرب بين الأردن والكيان والتطبيع الشّامل بينهما.
ونحن نعيش اليوم فصلا جديدا من هذه الخيانات تحت مسمّى “صفقة القرن” التي تُدبّرها الإدارة الأمريكية والتي تساعدها في تنفيذها العديد من الحكومات العربية، التي بدأت بوادرها بإعلان الولايات المتّحدة الأمريكيّة القدس عاصمة لإسرائيل، وتسعى أمريكا من خلالها لجرّ الأنظمة العربية الواحد تلو الآخر للاعتراف بالكيان الصهيوني وإقامة علاقات معه بما يعني الإقرار بشرعيّة الاحتلال والتنازل عن الحقوق الوطنيّة للشعب الفلسطيني، وهي الخطوة الحاسمة لقبْر القضية الفلسطينية نهائيا. ولا شك في أنّ التنازلات تهدّد مستقبل استعادة الحقوق الوطنية الفلسطينية، وتمنح الصّهاينة حقًّا في أرضٍ ليست لهم، وتشطب عنهم تُهم الاغتصاب والإرهاب. فهي تعني فيما تعني التّنازل عن حوالي 78% من مساحة فلسطين الانتدابيّة وعن حق اللاجئين في العودة.
يقول ماهر الطاهر عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين:
“وصلنا إلى مرحلة خطيرة للغاية تتطلّب من القيادة الفلسطينية الرّسمية الإنهاء الكامل لمرحلة ما سُمّي بأوسلو وفعليّا الإلغاء التام لهذه الاتفاقيات وسحب الاعتراف بالكيان الصّهيوني وبناء وحدة وطنية فلسطينيّة حقيقية وإنهاء الانقسام على قاعدة عمل استراتيجي فلسطيني جديد”.
 

 
 
 
 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×