الرئيسية / صوت العالم / ورغم ذلك فهو يقاوم ..
ورغم ذلك فهو يقاوم ..

ورغم ذلك فهو يقاوم ..

حبيب الزموري

لم يكن الاختلال الهائل في موازين القوى ذريعة كافية للشعب الفلسطيني للاستسلام للأمر الواقع والتفريط في حقوقه، بقدر ما كان دافعا له لينشب أضفره في الصخر لفتح سبيل للمقاومة واختراع وسائلها وآلياتها المناسبة من العدم، بإرادته الفولاذية المتسلحة بالروح العملية والإبداعية في آن التي أذهلت العدو قبل الصديق.
كيف لشعب يعيش منذ سنوات تحت حصار برّي وجوّي وبحري خانق حرمه من الحد الأدنى الضروري للحياة أن يحقّق هذا الاختراق الاستراتيجي ضدّ قوة من أعتى القوى العسكرية في العالم ؟
كيف لشعب يزفّ شهدائه بالعشرات والمئات يوميا إلى المقابر، إن وجدت، كما تزف الأمهات أبنائها وبناتها لحفلات الزفاف أو التخرج، ليعود سريعا إلى مواقعه لإعداد أفواج جديدة من أبنائه وبناته لسير على نفس درب المقاومة والاستشهاد وكأنهم في سباق مع الزمن كي لا يكونوا سببا في تأخير ساعة النصر ولو بثانية واحدة؟
ورغم ذلك فهو يقاوم ..
كما لم يكن الوضع السياسي الداخلي الفلسطيني سببا للتخاذل أو الإحساس بالعجز والضعف، ذلك الواقع المقسم والمجزّإ بين سلطتين محاصرتين لا تملكان من السلطة شيئا، سلطة في رام الهه نبذت نهج المقاومة والكفاح المسلح منذ زمن ودخلت نفق التسويات والصفقات والتعايش مع دولة الاحتلال الصهيوني و تواطأت معها في ضرب قوى المقاومة الفلسطينية، وسلطة في غزة محاصرة مازالت متمسكة بنهج المقاومة ومقيدة بتحالفاتها الإقليمية الرجعية، هذا الانقسام الذي سمح لدولة الاحتلال الصهيوني وعملائه في الداخل بالانفراد بغزة وقصفها طيلة أكثر من ثلاثة أسابيع من العدوان الغاشم بكمية من المتفجرات تعادل قنبلة نووية حيث بلغ نصيب كل كم 2 من غزة أكثر من عشرة أطنان من المتفجرات إضافة إلى استعمال جيش الاحتلال لأسلحة محرّمة دوليا .
ورغم ذلك فهو يقاوم .. متجاوزا الانقسامات والصّفقات والمبادرات الملغومة القادمة من هنا وهناك .
لقد قلبت المقاومة الفلسطينية الباسلة كافة المعادلات والترتيبات الإقليمية رأسا على عقب، ففي الوقت الذي كانت فيه القوى الإمبريالية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية تستعد لوضع اللمسات الأخيرة على صفقة القرن وتدشين النسخة الجديدة للشرق الأوسط بتعميدها لمبادرات التطبيع مع الكيان الصهيوني علنا وسرّا في أكثر من دولة عربية وتأبيد الوضع القائم بالأراضي المحتلة من خلال التعامل مع الزحف الاستيطاني كأمر واقع ومواصلة سحب الأرض من تحت أقدام الفلسطينيين بالسطو والتهجير، انفجرت المقاومة في وجوههم وبعثرت كافة الأوراق لتعلي ورقة المقاومة المسلحة من جديد، هذه الورقة التي بشر عديد السياسيين والمثقفين والمحللين باحتراقها وإلى الأبد كفاتحة لأطروحاتهم المدافعة عن عصر التعايش السلمي بين الجلاد والضحية بين الغاصب والمغتصب وأولوية المصالح “الوطنية” على القضايا القومية والأممية رافعين ذلك الشعار الرجعي والشوفيني “لن نكون فلسطينيّين أكثر من الفلسطينيين”.
رغم كل هذه الطعنات والخيانات والمؤامرات لم تفكر المقاومة الفلسطينية الباسلة لحظة واحدة في فك الارتباط بعمقها العربي رغم سوس العمالة والرجعية الذي ينخره ولم تيأس من دعم عربي تنتظره منذ عقود بل إنها تؤثر على نفسها وتنتشلنا في كل مرة بالملاحم التي تسطرها من مستنقع اليأس و الإحباط الذي تردت فيه مجتمعاتنا الرازحة تحت نير الاستغلال والإستلاب لا سيما بعد انحراف الموجات الثورية الأخيرة عن أهدافها الوطنية والديموقراطية، لتقننا نفس الدرس للمرة الألف : إن إرادة الشعوب لا تقهر مهما كانت قسوة الواقع الموضوعي فقط عليها الإيمان بعدالة قضيتها وقدرتها على خرق حاجز المستحيل .
ورغم ظلم وحصار “ذوي القربى” ومؤامرات المطبّعين والعملاء وطعنات المتقاعسين والمشككين فهو مازال يقاوم ..
إن هذا الشعب الجبّار الذي حاولوا عزله في تلك الرقعة الجغرافية وحجبه عن الأنظار وقطعوا عنه الماء والغذاء والدواء … أصبح اليوم بفضل مقاومته المسلّحة الباسلة حديث العالم وأسقط كافة أوراق التوت عن الأنظمة الفاشية المتنكّرة بمبادئ حقوق الإنسان والمواطنة والحرية لقد جرف طوفان الأقصى معه تلك الأوراق فحالما أحست تلك الجمهوريات البورجوازية بالخطر يقترب من مصالحها في المنطقة حتى كشفت عن وجهها الإمبريالي المتصهين الحقيقي لتوفّر الغطاء السياسي والإعلامي للجرائم الفظيعة التي تقترفها آلة الحرب الصهيونية في غزة.
ولكن من إنجازات المقاومة الفلسطينية الباسلة أيضا أنها حرّرت فئات واسعة من مواطني هذه البلدان من هيمنة منظومة التضليل الدعائي والسياسي التي تديرها بورجوازية هذه البلدان بما فيها البلدان التي يتمتع فيها اللوبي الصهيوني بنفوذ مالي وإعلامي وسياسي كبير لتنتفض ضد حكوماتها المتذيلة للكيان الصهيوني والإمبريالية الأمريكية .
لقد دقّت ساعة المقاومة في غزة وتردد صداها في مختلف أصقاع العالم لتعيد القضية الفلسطينية إلى موقعها الطبيعي كجبهة متقدمة من جبهات حركة التحرر العالمية، ودقّت معها ساعة الفرز الحقيقي بين المُنحازين قولا وفعلا للقضايا العادلة وبين المتاجرين بها جاعلين منها منصة للخطب السهلة والمواقف المعلبة المعدة للتسويق الإعلامي .
واحب على كل شعوب العالم وفي مقدمتها الشعوب العربية التواقة إلى التحرر والكرامة أن ترفع راية المقاومة عاليا ضد كل من يوفر غطاء سياسيا أو إعلاميا أو ثقافيا لجرائم الكيان الصهيوني وحلفائه المباشرين وتفعيل كافة أشكال المقاومة الشعبية والثقافية والاقتصادية … فالكلمة مقاومة والتبضع الموجه مقاومة والمقاطعة مقاومة والاحتجاج على تواجد تمثيل ديبلوماسي للبلدان المتواطئة في المجازر والجرائم المرتكبة في غزة مقاومة والتعريف بالحق الفلسطيني مقاومة وفضح العملاء والمطبعين و المتذبذبين مقاومة … ففي كل بلد وكل قرية وفي كل مصنع وفي كل حقل و في كل شارع غزة ما وفلسطين ما وجبهة من جبهات المقاومة.
فلنقاوم رغم كل الظروف المحيطة بنا ..
فإرادة الشعوب لا تقهر
سننتصر
بعد قليل ..
بعد عام .. بعد عامين
و جيل .

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×