الرئيسية / صوت العالم / فلسطين: حقّ المقاومة وحقّ الدفاع
فلسطين: حقّ المقاومة وحقّ الدفاع

فلسطين: حقّ المقاومة وحقّ الدفاع

الأستاذ محمود مطير

بعد الاستعمار العثماني (التّركي) ثم البريطاني يعيش الفلسطينيّون منذ أكثر من 75 سنة (تقسيم فلسطين 1948 / النّكبة) تحت نِير الاستعمار الاستيطاني الصّهيوني.
هذا الاستعمار يختلف عن الاستعمار الذي عرفته العديد من بلدان العالم – وخاصة إفريقيا وآسيا – في القرْنَين الماضِيَيْن (19 و20)، ذلك أنّ الاستعمار الفرنسي أو البريطاني كان يهدف أساسا – في إطار التوسّع الرأسمالي / الامبريالي إلى البحث عن المواد الأوّلية والأسواق لبضاعته أمّا الاستعمار الاستيطاني فهدفه الأرض / الوطن.

لم يستكن الفلسطينيّون والعرب لقرارات “الأمم المتحدة” (التّقسيم) وللأمر الواقع (حرب 1948)، فقد خاضت دول الطّوق الفلسطيني العربية (مصر وسوريا) حربَا 1967 و1973 خاصة، وقام الفلسطينيون بعديد الانتفاضات قبل انطلاق النّضال المسلّح المنظّم (حركة فتح في الستّينات من القرن الماضي وبعد ذلك) والنّضال السلمي (انتفاضات شعبيّة عديدة).
وقد اضطرّ الفلسطينيون، تحت ضغوط عربية ودولية وبعد طرد قيادات المقاومة الفلسطينية من لبنان إلى تونس في الثمانينات من القرن الماضي، إلى القبول بحلّ الدّولتين فيما سُمّيِ بمفاوضات ثم اتّفاقية أوسلو (بداية التسعينات من القرن الماضي). غير أنّ هذه التجربة رغم محدوديّة ما وفّرته للفلسطينيّين من حريّةٍ، لم تنجح، وواصل المُستعمر الصّهيوني توسّعه الترابي وتوطين الصهاينة بالضفّة الغربيّة عن طريق تكثيف المستوطنات وضرب أبسط الحقوق الفلسطينية (التنقل والعمل…).
تجربة أوسلو – وبعد عشريّتين من الزمن – ضربت في مقتلٍ حركة فتح ومنظّمة التحرير الفلسطينية بعد تخلّيهما عن المقاومة المسلّحة وتفضيلهما النضال السلمي وتركت المجال مفتوحا لحركات جديدة تتبنّى المقاومة المسلّحة.
يمثل السّابع من أكتوبر 2023 تتويجا لهذا الخيار. ولكن السابع من أكتوبر ليس البداية ولن يكون النهاية. السّابع من أكتوبر قد يكون انطلاقة مرحلة التّحرير النهائي لأنّ الكيان الصهيوني ضُرِب في مقتلٍ، إذ تمّ نقل المعركة بصورة نهائية إلى داخل فلسطين وأدخل الحرب إلى بيوت الصّهاينة.
السّابع من أكتوبر هزّ الكيان الصهيوني وأدخل الشكّ في قدرات جيشه، وهو ما جعل حُماته الأمريكان يتسارعون منذ اليوم الأول لإنقاذه مُتعلّلين بأنّ هجوم السابع من أكتوبر هجومٌ إرهابيٌّ، وأنّ من حقّ الصهاينة الدفاع عن أنفسهم. لكن هل يتمتّع المستعمر حقا بحق الدفاع؟ أليس من واجب المستعمر والمحتلّ حماية المستعمر الذي له حقٌّ شرعي في المقاومة؟
1- كانت ردّة فعل الكيان الصهيوني على ما حصل في السّابع من أكتوبر عنيفة جدًّا حيث قام بقصفٍ جوّي عنيف طال مناطق عدّة من غزّة. وهذا القصف بالطّيران للمدنيّين شِيبًا وشبابا نساء وأطفالا لا يعبّر عن بطولة ونجاح عسكري صهيوني بقدر ما يعبّر عن شعور القادة الصهاينة بالهزيمة وبالرّغبة الجامحة في الانتقام وتسجيل نقاطٍ ليقنعوا منظوريهم بأنّهم أخذوا بالثّأر.
كما طلب الصهاينة من الفلسطينيّين سكان غزّة التوجّه من شمال غزّة إلى جنوبها ومن ثمّة إلى سيناء المصرية، بما يعني أنّ الصّهاينة يهدفون إلى القضاء على الغزّاويّين سواء بالقتل أو التهجير. وقد رفض معظم الفلسطينيّين ذلك كما رفضت مصر ذلك.
لقي التصرّف الهمجي الصّهيوني سندا من الولايات المتحدة الأمريكية وعديد الدول الأوروبية وعلى رأسها فرنسا وألمانيا وبريطانيا خاصة وهي دول لها سوابق في مساندة ودعم الكيان الصهيوني وهناك العديد من المقالات الصحفية تبيّن العلاقة المصلحيّة بين هذه الدول والكيان الصهيوني حيث تقوم أغلبها ببيع أسلحة لهذا الكيان ومصلحتها بالتالي في استمرار الحرب.
ماذا كان تبرير هذا الدّعم والمساندة؟ حجّة هؤلاء هي أنّ “حركة حماس” حركة إرهابية ومن حق الكيان الصهيوني الدفاع عن نفسه. سنعود إلى مسألة توصيف حركة حماس فيما بعد لنهتمّ بمسألة الدفاع عن النفس. هل يعتبر المستعمر أو المحتلّ لأرض غيره مدافعا عن نفسه عندما يهاجمه أصحاب الأرض؟
الجواب المؤكّد هو النّفي لأنّ المحتلّ لأرض غيره ليس في وضع دفاعٍ فهو معتدٍ على صاحب الأرض وبالتالي مهما كانت الوضعيّة فهو في وضع الطرف المعتدي على الغير لأنّ الاحتلال والاستعمار لا ينقرض بالزمن.
كثير من السياسيين والمحلّلين في الغرب يريدون أن يمرّروا أن حركة حماس في وضع المُعتدي في السابع من أكتوبر وبالتالي كل ما قام به الصهاينة بعد هذا التاريخ هو دفاع عن النفس، وهذه مغالطة كبرى، فالاعتداء على الفلسطينيّين حدث منذ أكثر من 75 سنة وكل عمل يقوم به الفلسطينيّون ضد الصهاينة هو عمل مقاوم مشروع لهذا الاعتداء، وكل ما يقوم به الصهاينة هو اعتداءٌ جديد لا أكثر ولا أقل. لا يمكن الحديث عن حقّ دفاع بالنسبة للمعتدي والغاصب المحتل والمستعمر لأرض غيره.
2- كلّ حركات التحرّر الوطني في العالم اعتمدت المقاومة بمختلف أشكالها سواء كانت مسلّحة أو سلميّة ضد المستعمر والمحتلّ
لقد أقرّت كل الشرائع أنّ حقّ المقاومة حقٌّ شرعي وأصبح حقّ تقرير المصير حقًّا لا جدال فيه. كل القوانين الدولية تُقِرُّ بهذا الحق وتقرّ منظمة الأمم المتحدة – وهي من أوّل من ظلموا فلسطين بإقرارها بعث دولة “إسرائيل” – بحقّ الفلسطينّيين في دولة حرّة مستقلّة.
كيف يتمّ تحقيق هذا الهدف؟ كلّ القوانين الدولية تقرّ بحقّ من استُعْمِرت أرضهم أن يقاوموا بكلّ الوسائل المتاحة والطرق الممكنة المستعمر والمحتلّ لأرضهم، في حين أنّ من يستعمر أرض غيره مطالبٌ بحماية سكّان الأرض المستعمرة وليس له – على عكس ما يتشدّق به الأمريكان وقادة الدول الغربية – أيّ حقّ دفاع في هذه الحالة.
وليس جديدا اعتبار المستعمر والمحتل المقاومة والمقاومين إرهابيين. ودون أن نخوض في التاريخ البعيد، نكتفي ببعض الأمثلة القريبة منّا؛ ففي تونس اعتبر الاستعمار الفرنسي المقاومين له في بلادنا “فلّاقة” (casseurs) وهو ما يساوي اليوم عبارة “الإرهابيّين”. والشيء نفسه حصل بالنسبة إلى المقاومين الجزائريين حيث اعتبرهم الاستعمار الفرنسي إرهابيّين.
ومن الصُّدف أنّ الألمان النازيّين المحتلّين لجزءٍ من فرنسا إبّان الحرب العالمية الثانية قد اعتبروا المقاومين الفرنسيّين “إرهابيين”. وأخيرا وفي فلسطين بالذّات اعتبر الصهاينة وداعموهم أنّ حركة فتح الفلسطينيّة ومنظّمة تحرير فلسطين “إرهابيّين”!
ولكن الحرب لا يمكن أن تدوم إلى ما لا نهاية فإمّا انتصارٌ ساحقٌ لطرفٍ من الأطراف على الطرف الآخر وذلك بمحقه وسحقه مثلما حصل للهنود في أمريكا، أو انتصار من هنا وانتصار من هناك فيلجأ الطرفان أخيرا إلى التفاوض وإيجاد حلّ سياسيّ، وهنا يصبح “الإرهابي” طرفا مفاوضا وربّما يعتبر فيما بعد صديقًا أو شريكًا… وهو ما حدث بالنسبة لكلّ حركات التحرر وحدث في فلسطين بالذات مع حركة تحرير فلسطين التي اعترف بها العدوّ.
في النهاية، حق المقاومة للشعب الفلسطيني حقٌّ مشروعٌ ولا حقّ للكيان الصهيوني في الدفاع عن نفسه لأنّه مُعتدٍ ومُغتصبٍ لأرضِ غيره ويبقى دائما في وضع المُعْتدي.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×