الرئيسية / صوت العالم / غزة تكشف الوجه الحقيقي للديمقراطية الأمريكية المزعومة
غزة تكشف الوجه الحقيقي للديمقراطية الأمريكية المزعومة

غزة تكشف الوجه الحقيقي للديمقراطية الأمريكية المزعومة

جيلاني الهمامي

 الديمقراطية الأمريكية هي نموذج الحكم الديمقراطي المثالي الذي بلغه المجتمع البشري، هذا ما جرى تسويقه ونشره على أوسع نطاق لأكثر من قرن. الديمقراطية الأمريكية هي صورة العالم الحر وممثله الرسمي والوصفة الجاهزة المنصوح بها لكل الشعوب وهي الوصفة التي تشنّ من أجلها، عند الاقتضاء، أفظع الحروب وترتكب بسببها أشنع الجرائم كالتي ارتكبت في العراق وأفغانستان وفي أماكن أخرى كثيرة من العالم.

هذا النموذج الذي في ظاهره “أبهر” أوساطا لا محدودة من الناس في العالم قاطبة كشف ويكشف عن اختلالات بل ومساوئ ترقى في الكثير من الحالات إلى فظاعات رهيبة.

وقد بينت أكثر من حادثة ومناسبة أنّ هذا النموذج من الديمقراطية ليست غير ديمقراطية طغمة رأس المال وكبار الملاكين العقاريين والمضاربين وسماسرة البورصات والبنوك. هي ديمقراطية أكبر شركات التصنيع الحربي وتجار الأسلحة عبر القارات. هي ديمقراطية أخطر اللصوص وأكثرهم قساوة وإجراما. هي ديمقراطية الوحوش وكواسر الغرف المظلمة وعصابات التجسس، هي الديمقراطية التي تبشر بها أكثر الأيديولوجيات انغلاقا وغرقا في الظلامية والعنصرية والتمييز والكراهية والإرهاب والإجرام. هي الديمقراطية التي يبشر بها ويدافع عنها اليمين المتطرف والنازيون الجدد والفاشيون وكل ضروب التطرف الفكري والسياسي والثقافي.

هذه الحقيقة كشفت عنها الحرب الصهيونية على غزة. الرئيس الأمريكي دجو بايدن، زعيم الحزب الديمقراطي ورمز “الديمقراطية” الأمريكية ووزيره للخارجية انطوني بلينكن ووزيره للدفاع أوستين ونائبته في الرئاسة كامالا هاريس وعدد لا يحصى ولا يعدّ من الوزراء والمستشارين وكبار المسؤولين والمديرين في مختلف فروع الإدارة الأمريكية والمؤسسات الملحقة بها الذين يعملون ليلا نهارا على إقناع العالم بأنّ قمة الديمقراطية والحرية وأرغد العيش وأكثر فترات تاريخ البشرية ازدهارا وتقدما هي هذه الفترة التي يقع فيها العالم تحت سيطرتهم، هؤلاء الذين وقفوا كلهم بوضوح ودون أدنى مواربة مع أشنع جريمة ترتكب في تاريخ البشرية، الحرب على شعب غزة بل وعلى سائر الشعب الفلسطيني في غزة والضفة.

الرئيس الأمريكي يحرّض علنا الكيان الصهيوني على القتل والإبادة. وإدارته تمد الكيان الصهيوني يوميا عبر جسر جوّي يعمل على مدار الساعة بكميات لا محدودة من أسلحة القتل والفتك. ووزيره للخارجية يحضر جلسات الحكومة الصهيونية المصغرة “الكابينيت” ليتدارس معهم سبل القتل الجماعي في غزة. خبراؤه العسكريون والجواسيس وجنوده من الفرق الخاصة “دلتا” يشاركون جنود الدولة الصهيونية الأعمال الحربية الميدانية في غزة. يضغط عمن يسميهم حلفاؤه وشركاؤه في المنطقة، عميل مصر وأبو مازن الدمية وملوك الأردن والخليج وكذلك أذنابه الأوروبيين، ورثاء الامبراطوريات الاستعمارية القديمة والنازية والفاشية في فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا من أجل، أن يلزموا الفرجة لا بل أن يؤيدوا القتل والإبادة الجماعية في غزة باسم محاربة الإرهاب.

لقد عرّت الحرب الصهيونية في غزة عن الوجه القبيح والشنيع لما يسمى بالديمقراطية الغربية. لقد افتضحت على أنها أبغض النظم التي تسوس المجتمع الإنساني المعاصر لا فقط بالنظر لما تتسبب فيه لشعوب العالم من مظالم وإنما أيضا لما تتسبب فيه للشعب الأمريكي نفسه من مآسي.

في هذا الصدد نسوق عينة بسيطة مما حصل مؤخرا في الولايات المتحدة الأمريكية لعمق دلالاتها وكشاهد على ما نقول.

تشن هذه الأيام في أمريكا حملة على ثلاثة رؤساء جامعات أمريكية وتتصاعد مطالب عزلهم واتخاذ عقوبات في حقهم فقط لأنهم لم يعبروا عن موقف يرضي الأوساط الأمريكية اليمينية مما يسمى بمعادة السامية في الأوساط الطلابية التابعة لهم.

صورة الأمر أنّ لجنة التربية واليد العاملة التابعة للكونغرس الأمريكي استمعت في الأيام الأخيرة إلى رؤساء جامعة هارفارد وبنسلفانيا وماساشوستس بخصوص تصاعد خطاب الكراهية ضد اليهود في مؤسساتهم الجامعية. وقد أثار الحوار بطبيعة الحال الوضع في غزة منذ يوم 7 أكتوبر الماضي وتوجه النواب أعضاء اللجنة بأسئلة لرؤساء الجامعات الثلاث حول ما اعتبروه “خطاب كراهية ضد اليهود” و”تصاعد للنزعة المعادية للسامية” معبّرين عن استيائهم من عدم احترام حركة التضامن الطلابية الواسعة في الفضاء الجامعي مع فلسطين لقواعد السلوك المعمول بها في هذه المؤسسات الجامعية. ومن جملة ما استدل به النواب على هذه المزاعم هو الشعار الذي كان الطلبة رفعوه في مظاهرات المساندة للقضية الفلسطينية “الحل في الثورة والانتفاضة” معتبرين أنّ لفظ “الانتفاضة” هو في حد ذاته دعوة إلى العنف ضد اليهود الإسرائيليين ويتعارض تماما مع قواعد السلوك المفروض على الطلبة في هذه الجامعات والمطلوب من رؤساء هذه المؤسسات الجامعية عدم السماح به والتدخل بكل قوة ضد من يرفعه كشعار.

كان سعي النواب، أعضاء الكونغرس، يهدف إلى الحصول على إدانة صريحة من رؤساء الجامعات الثلاث للتحركات الطلابية. غير أنّ هؤلاء، والتزاما منهم بالحد الأدنى من الشرف المهني والأكاديمي لم يستجيبوا لهذا المسعى فأصبحوا، وبسرعة، هدفا لحملات تشهيرية التي أثمرت ضغوطها رضوخ مكتب جامعة بنسلفانيا إلى مطالبة رئيسة الجامعة ليز ماجيل إلى الاستقالة. ومن المتوقع أن يلقى البقية نفس المصير تحت وقع تأثير الحملة المستمرة والمتصاعدة.  

لقد طالبت عضوة اللجنة ليز ستيفانيك بعزل الرؤساء الثلاث وصرحت بعد الجلسة لوكالة الأنباء فوكس نيوز “أنهم لا يستحقون شرف الاستقالة، يجب طردهم”. وأذنت لجنة الكونغرس بفتح تحقيق في الغرض. وانخرط في حملة التحريض على رؤساء الجامعات العديد من النواب ونائب الناطق الرسمي باسم البيت الأبيض نفسه فيما حذر رئيس الأغلبية في مجلس الشيوخ من “استغلال الحركة المؤيدة للفلسطينيين لتبني الكراهية والتعصب تجاه الشعب اليهودي”.

هذه عينة من الديمقراطية والحق في “حرية التعبير” كما ردّ رؤساء الجامعات عند الاستجواب أمام لجنة الكونغرس، التي تتبجح بها الامبريالية الأمريكية التي ترعى هذه الأيام أشنع أعمال الإبادة والقتل الجماعي كما سبق أن فعلت في فيتنام وأفغانستان والعراق والقائمة طويلة.

      

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×