الرئيسية / صوت الوطن / ملاحظات حول المسار الثوري ببلادنا
ملاحظات حول المسار الثوري ببلادنا

ملاحظات حول المسار الثوري ببلادنا

عمار عمروسية

تحلّ الذكرى الثّالثة عشرة للثّورة التونسية هذه الأيّام ضمن أوضاع عامّة شديدة التّعقيد تنزل بأثقالها الكبيرة على العمال والكادحين ومجمل الطبقات والفئات الشعبيّة.

فالكلّ يكتوي بنيران التّدهور الخطير الذي أصاب كافّة مناحي الحياة بما فيها أبسط وأدقّ الجزئيات. والقاسم المشترك بين أغلب التونسيّات والتّونسيّين اليوم هو التذمّر من الحاضر والخوف من القادم والجامع بينهم هو سيادة مشاعر الإحباط والانكسار أمام سطوة الحكم الشعبوي الموغل بخطى حثيثة من جهة في تطبيق الخيارات الاقتصادية والاجتماعية النيوليبراليّة المتوحّشة، ومن جهة أخرى في قضم وتصفية جميع هوامش الحريّات والدَّيموقراطية.

إنّ التقهقر  الشامل بالإضافة إلى الاستمرار الحادّ للنضال الطبقي والشعبي بما يعنيه بطبيعة الحال محدودية وضعف أداء كل فروع قوى التّغيير الديموقراطي.

فجميع تلك العناصر وغيرها كثير مثلّت أبوابا مشرّعة من زاوية لمزيد الترويج لثقافة الانهزام والخضوع والاستسلام أمام الأمر الواقع رغم بؤسه ومن جهة أخرى محفزّا لتعزيز حضور سيل جارف من رؤى وتصورّات عقيمة غارقة في الانتهازية المعادية للثورة حتّى قبل اندلاع شرارتها في 17 ديسمبر 2010.

ومعلوم أنّ تلك العوامل هي التي مثلّت القاعدة الصلبة الموضوعية للانتشار الواسع في أيّامنا هذه للعودة القويّة للكثير من الأسئلة المرتبطة بجوانب مختلفة بالثورة ومجمل مسارها.

فالكثيرون من المنشغلين بالشأن العامّ ببلادنا سواء في أوساط “النخبة” أو غيرها يدفعون باستمرار في مجالسهم الخاصّة وجدالاتهم العامّة بأسئلة كثيرة يصبّ جميعها في سؤال محوري كبير يمكن اختصاره فيما يلي :هل نجح النظام الشعبوي في غلق قوس الثورة نهائيا؟ بعبارة أخرى هل تمكنّت منظومة 25 جويلية من تصفية كلّ مكتسبات الثورة والنّجاح النهائي في تركيز ثوابت الحكم الفردي الفاشستي؟

ما من شكّ في أنّ مثل هذا التّساؤل ليس بالأمر الجديد، فقد سبق في أكثر من مرّة وخصوصا زمن الأزمات أن عرفت السّاحة السياسية والإعلامية ببلادنا خوض سجالات عديدة محورها مآل الثورة ومكاسبها، الخ…

في ذات الوقت لا بدّ من الوعي بأنّ عودة هذا المشغل تحت حكم “قيس سعيد” تحمل الكثير من الدّلالات المستجدّة مرتبطة بجملة عناصر موضوعية وذاتية متداخلة تجعل من المهمّ بذل جهود فكرية وسياسية كبيرة للوصول إلى إجابات موضوعية من شأنها الإسهام في تبديد مكامن الغموض التي طالت قضايا المسار الثوري بما يضمن توفير لاحقا أولاّ صياغة تكتيكات سليمة تسهم في إنارة السبيل أمام قوى التغيّير والثورة، وثانيا تطويق مفاعيل القصف الإيديولوجي الرّجعي القائم على إشاعة قيم الخضوع والانكسار.

فالقول بغلق قوس الثّورة هو ذاته تكرار لما قاله حكّام “الترويكا” قبل كسر شوكتهم ودحرهم وهو ذاته ما نشط ترديده في بعض الفترات من حكم النداء / النهضة.

فأسطوانة وأد الثورة اشتغلت ونشطت زمن الأزمات وبالخصوص في فترات اختلال موازين القوى الطبقيّة لصالح قوى الثورة المضادّة، غير أنّ ميكانيزمات الصراع الاجتماعي والشعبي فنّدت تلك المزاعم.

ونحن نعتقد أنّ ما يحصل اليوم ليس سوى مرحلة تعثّر جديدة للمسار الثوري الذي وإن خفتت جذوته بشكل كبير وعلى امتداد حيّزٍ طويل فإنّ شروطا كثيرة موضوعية متوفّرة وأخرى ذاتية ما زالت في أطوارها الجنينيّة تجعل من الصّواب الإقرار بعودة المسار إلى وهجه وتألقه.

إنّ تعثر اليوم وإن اختلف في أحجامه واستقراره من الزاوية الزمنيّة لا يختلف جَوهريا عن تعثّرات الماضي، بل يمكن الجزم أنّ هذه السِّمة هي من الخاصيّات القارّة لكلّ ثورة توقفْت عن استكمال مهمّاتها الجذرية.

فاختلال مَوازين القوى الطبقية الحالي ليس بالأمر الثابت والنهائي، بل هو متغيّر ومتحوّل، وهدوء اليوم مؤقّت ولا يمكن بالمرّة التّعويل على دوامه لا بكيّ الوعي والترويج للأوهام الشعبوية ولا بسطوة الأجهزة الصّلبة وتحريك آلة القمع في جميع الاتجاهات وتكديس ضحاياها.

إنّ منظومة الانقلاب تقدّمت أشواطا كثيرة في خططها التّصفوية للثّورة ومكتسباتها وتفوّقت عن باقي قوى الثورة المضادّة في جرائمها، غير أنّها ما زالت بعيدة كلّ البعد عن الإجهاز على المسار ووأده.

ما من شكّ أنّ “قيس سعيد” يتقدّم في بناء نظامه القمعي ويحقّق “انتصارات” على حساب القوى الديموقراطية والثوريّة. والقول بتقدّمه لا يعني بالمرّة أنّ الطريق أمامه سهلة ومفتوحة لعدّة أسباب داخلية وخارجيّة. فالمسار الثوري منظور إليه من زوايا موضوعية وتاريخية مازال مفتوحا والقادم قد يكون حاملا لقلب الطاولة رأسا على عقب على النظام الشعبوي الرثْ الذي يراكم إخفاقاته في إدارة الشأن العامّ ويعزّز بصلفه وعنجهيّته قوى الرفض والممانعة.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×