الرئيسية / صوت العالم / الصحافيّون الفلسطينيّون بين تحدّيات السلامة والحماية
الصحافيّون الفلسطينيّون بين تحدّيات السلامة والحماية

الصحافيّون الفلسطينيّون بين تحدّيات السلامة والحماية

منتصر حمدان
رئيس لجنة سلامة الصحافيّين في نقابة الصحافيين الفلسطينيين

تتعالى الأصوات ويتصاعد الحديث والحوارات في أوساط النّخب الصحافية وممثلي المؤسسات الصحفية والإعلامية حول أهميّة حماية الصحافيّين وضمان سلامتهم المهنية، ومردّ ذلك فداحة الخسائر البشرية والمادّية التي لحقت بالقطاع الإعلامي الفلسطيني وارتفاع عدد الضحايا من الصحافيّين الذين قتلتهم الهجمات الصّاروخية وقذائف طائرات ودبّابات جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ بدء الحرب على قطاع غزة والضفة بما فيها القدس.

موضوع حماية وسلامة الصحافيين بات يستحوذ على اهتمام ومتابعة الصحافيين والمؤسسات الإعلامية على المستوى الوطني والإقليمي والدولي خاصة لدى المؤسّسات الدولية المعنيّة بحماية الصحافيين، لكنّ اللّافت للنظر في هذا الاهتمام والرّغبة بالتضامن مع الصحافيين الفلسطينيين أنه يأتي مع تصاعد جرائم قتل الصحافيين وزيادة مستويات الاستهداف من قبل جيش الاحتلال الاسرائيلي الذي يُعتبر المسؤول الأول عن هذه الجرائم بحق الصحافيين التي أدت إلى قتل أكثر من 90 صحافيا بينهم 6 صحافيات، وعاملون في قطاع الإعلام الفلسطيني، وتوقف أكثر من 25 محطّة إذاعية عن الخدمة في قطاع غزة، مع تصعيد أنواع جديدة من الاستهداف التي ترمي إلى وتهجير مئات من عائلات الصحافيين عن منازلهم، واستهداف مناطق سكنهم بالقصف الصاروخي العشوائي للأحياء والعمارات السكنية التي يقطنها المدنيين، واعتقال 50 صحافيا مازال 26 رهن الاعتقال في سجون الاحتلال.

إنّ التضامن الفعّال مع الصحافيين والمؤسسات الإعلامية يستوجب أساسا المعرفة لحقيقة ما يتعرّض له الصحافيون وتحديد المفاهيم المرتبطة بسلامة الصحافيين وحمايتهم لأنّ استخدام مفهومي الحماية والسلامة للصحافيين والتّفريق بينهما يمثّل أرضية حقيقيّة لتحويل الرّغبة بالتضامن إلى فعل ومسؤولية لدعم للصحافيين ويجعل التضامن ممكنا استنادا إلى أرضية مفاهيميّة واضحة دون خلط بين المفهومين.

وهنا نجد في مجمل الحوارات والنقاشات المرتبطة بدعم وإسناد الصحافيين خلطًا واضحًا ما بين السلامة المهنية للصحافيين والحماية للصحافيين، ما يبرز الحاجة والأهمية للوقوف والتّروّي بغرض الاتفاق أولاً على المفهومين كمتطلب أساسي لتحقيق السلامة المهنيّة والحماية للصحافيين لأنّ كل واحد منهما يجعلنا نسير في اتّجاه مختلف عن الآخر مع أن الرغبة والدعوة لتحقيقهما واحدة.

إنّ مفهوم السلامة المهنية للصحافيين يأخذنا باتّجاه مجموعة المعارف والإجراءات والمهارات والتدابير التي على الصحفيين التقيّد بها لضمان سلامتهم الجسديّة والنفسية والقانونية أثناء التغطية الإعلامية في بيئات العمل المتنوّعة والمختلفة، إضافة إلى المسؤولية في الالتزام بمجموعة القواعد والأسس المرتبطة بتحقيق سلامتهم في الميدان التي تقع على الصّحافي نفسه دون غيره، مع أهمية عدم إسقاط مسؤولية الاحتلال وأجهزته عن الجرائم بحقّ الصحافيين.

في المقابل فإنّ مفهوم الحماية للصحافيين يأخذنا نحو مجموعة القوانين والأنظمة والإجراءات التي تقع مسؤوليتها على الدولة بمؤسساتها المتنوعة إضافة إلى مسؤولية الالتزام بها بما يخلق بيئة عمل آمنة للصحافيين.

وإذا ما أخذنا بأهمية التفريق بين المفهومين (السلامة والحماية)، فإنّ ذلك يؤسس إلى مجموعة الالتزامات والمسؤوليات الواجب على كل طرف التقييد بها بما يحقق الأهداف المنشودة بخلق بيئة عمل آمنة للصحافيين وضمان سلامتهم مع الأخذ بعين الاعتبار السّياق العام ونوعيّة وطبيعة التهديدات والمخاطر وتحديد مصدرهما سواء كانت داخليا او خارجيا.

الفهم الحقيقي للسلامة المهنية يساعد في تطوير المهارات وقدرات الصحافيين في التغطية الإعلامية استنادا إلى منهج واقعي وقابل للتطبيق عبر التزامهم بقواعد أساسية لضمان سلامتهم المستندة إلى إجراء تقييم المخاطر ما قبل التغطية الإعلامية للحدث المُراد تغطيته وهذا الأمر يتطلّب مهارات عالية في البحث القبليّ وجمع المعلومات حول كافة التفاصيل المرتبطة بالسّياق العام للأحداث والمنطقة والسكان وطبيعة الصراع ونوعية الأسلحة المستخدمة والطبيعة الجغرافية والمناخ…الخ، لأنّ كل ذلك يساعدهم في جمع المعلومات وتحليلها بطريقة علمية تساعدهم في تشخيص المخاطر التي يمكن أن يتعرّض لها الصحافيون الميدانيون.

إنّ التشخيص الدّقيق للمخاطر المحدقة بالصحافيين يساعدهم في التّمهيد للتخطيط الجيد قبل تنفيذ المهام الإعلامية مع الأخذ بعين الاعتبار كافة المخاطر المحدقة وتطوير آليات تعامل الصحافيين مع هذه المخاطر وتكتيكات تجنّبها وتطوير تدابير وقائية تعزّز سلامتهم وتساعدهم في إنجاز المهام الإعلامية بشكل آمن.

كما أنّ تعزيز ثقافة السلامة المهنية لدى الصحافيين تعتبر المدخل الحقيقي والأساسي لتعزيز سلامتهم وأنّ المسؤولية في هذا الإطار تقع أساسا على الصحافيين أنفسهم من خلال الإيمان بأهمّية وضع سلامتهم في مقدّمة الأولويّات وتطوير مهاراتهم وقدراتهم في هذا المجال والالتزام بتطبيق كافة الإجراءات والخطوات المطلوبة لضمان سلامتهم والتّعامل على أنهم المسؤولون أولاً عن سلامتهم وليس غيرهم.

في المقابل فإنّ مسؤولية توفير الحماية للصحافيين هي مسؤولية جماعية تقع على كافة مؤسّسات الدولة الرسمية وغير الرسمية والمؤسسات الإعلامية وكافة مكونات القطاع الإعلامي كلٌّ حسب اختصاصه ومسؤولياته بما يساهم في خلق بيئة عمل آمنة للصحافيين من خلال الالتزام بدعم برامج التدريب والتأهيل للصحافيين الجدد وطلبة الصحافة والإعلام في مجال السلامة المهنية من خلال اعتماد مساقات السّلامة المهنية كمتطلبات إلزاميّة للدراسة الجامعية، ورصد موازنات مالية مرتبطة أساسا بتوفير معدّات السلامة المهنيّة وسنّ القوانين والتشريعات الدّاعمة لحرية العمل الصحفي وحماية الصحافيين من الاعتداءات، وتطوير أدوات وطرق التّوثيق القانوني للجرائم والاعتداءات والانتهاكات لحقوق الصحافيين والصّحافة بما يساهم في بناء الملفّات القانونية الصالحة لتقديمها للمحاكم على المستوى الوطني والإقليمي والدولي، إضافة إلى إنشاء الصّناديق المالية لتعويض الضّحايا والجرحى والمتضرّرين من الجرائم بحقّهم.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×