الرئيسية / صوت الوطن / حريّة التعبير في تونس بعد الانقلاب: انتكاسة لمسار الحرّيات وعودة إلى المربّع الأول من الفاشية والديكتاتورية
حريّة التعبير في تونس بعد الانقلاب: انتكاسة لمسار الحرّيات وعودة إلى المربّع الأول من الفاشية والديكتاتورية

حريّة التعبير في تونس بعد الانقلاب: انتكاسة لمسار الحرّيات وعودة إلى المربّع الأول من الفاشية والديكتاتورية

“لكلّ إنسان الحقّ في حرية التعبير، ويشمل هذا الحقّ حرّيته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقّيها ونقلها إلى آخرين دون اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع او في قالب فنّي أو بأيّة وسيلة أخرى يختارها”. (المادة 19 من العهد الدولي لحقوق الإنسان)

إنّ حريّة التعبير التي ناضل من أجلها الشعب التونسي بمختلف فئاته على امتداد عقود وفي مختلف المراحل السياسية التي عرفتها تونس منذ الاستقلال، لازالت ورغم ثورة الحرية والكرامة تشهد هزّات وتهميشا نتيجة خوف السلط السياسية من قدرة هذه الحرية في تغيير الوعي والتفكير وفضح جميع الممارسات المعادية للديمقراطية، ورغم تتالي المراسيم والقوانين التي نشرت بعد الثورة بغاية حماية وتكريس هذه الحرّية، فقد باتت حرية التعبير بعد الانقلاب مهدّدة أكثر من السابق خاصة أمام إصدار قوانين زجرية ومكبّلة لها بل انقلاب ضمني على القوانين التي تحمي وتكرّس هذه الحرية عبر عدّة آليات، رغم تحذيرات تقارير المنظمات والأحزاب من الحالات الصادمة التي استهدفت نتيجة تمسكها بحريتها في التعبير وأن تكون مواطنا لا رعيّة في هذا الوطن.

28 اعتداء ضدّ الصحفيين فقط خلال تغطيتهم لما يعرف بالانتخابات المحليّة:

وفي تقريرها الشهري (ديسمبر 2023)، سجّلت وحدة الرصد بمركز السلامة المهنية بالنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين خلال ما يعرف بـ”الدور الأوّل من الانتخابات المحليّة” تواصلا لنسق الاعتداءات ضدّ الصحفيين مقارنة بالانتخابات التشريعية السابقة في دورها الأوّل، حيث طالت الاعتداءات خلال الفترة الممتدّة بين 2 ديسمبر إلى 27 ديسمبر 2023، 28 اعتداء على الصحفيين والمصوّرين الصحفيين.
ووفقا للتقرير الصادر عن النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، فقد وثّقت وحدة الرصد 27 اعتداء خلال يوم التصويت واعتداء وحيد خارج يوم التصويت، وقد طالت الاعتداءات 22 ضحية من الصحفيين والمصوّرين الصحفيين معتمدين رسميا من قبل الهيئة العليا المستقّلة للانتخابات، وقد طالتهم الاعتداءات خلال مباشرتهم لعملهم الصحفي وتغطية الانتخابات في مختلف مراكز الاقتراع أبرزها في ولاية مدنين (8 اعتداءات) وولاية القيروان (6 اعتداءات).
وارتبطت الاعتداءات التي وثّقتها نقابة الصحفيين بالحقّ في الحصول على المعلومة، حيث سجّلت وحدة الرّصد في هذا الخصوص 18 حالة منع من العمل و8 حالات حجب معلومات إضافة إلى تسجيلها حالات مضايقة (مناسبتين). حيث صدرت أغلب الاعتداءات عن رؤساء مراكز الاقتراع، فقد كانوا مسؤولين عن 17 اعتداء، و8 اعتداءات صادرة عن رؤساء مكاتب اقتراع، فيما كان موظّفو الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات مسؤولين عن 2 اعتداءات، وأمنيَّين مسؤولين عن اعتداء وحيد.
ومن بين التوصيات الصادرة عن النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين والموجّهة إلى “هيئة الانتخابات”، النظر في الحالات التي وردت في التقرير الشهري وفتح تحقيق فيها ومدّ النقابة بالنتائج والإجراءات المتّخذة، وتطوير المنهج التدريبي لأعوان الهيئة بما يتماهى مع الضمانات في الحقّ في الحصول على المعلومة المنصوص عليها بالمعايير القانونية والمعايير الدولية.

حرية التعبير في تونس: إطار يشجّع على السكوت؟

ووفقا للتقرير الصادر خلال شهر ماي 2023 عن منظمة “اكساس ناو” التي تدافع على الحقوق الرقمية للمستخدمين المعرّضين للخطر حول العالم ومن أجل حقوق الإنسان في العصر الرقمي، فإنّ الإطار التشريعي المتعلّق بحريّة التعبير يتعارض عموما مع المعايير الدولية ذات الصلة وذلك بســبب تضــارب النصــوص القانونيــة التــي تنــصّ علــى الجرائــم فــي مجــال التعبيــر، ووجــود عقوبــات لا تحتـرم مبـدأي التّناسـب والضـرورة، وتشـديد العقـاب لحمايـة المسؤولين السّياسـيين مقارنـة ببقيـة الألفـراد، وخاصــة كثــرة العبــارات الفضفاضــة التــي تفتــح البــاب للتأويــل الواســع وتقييــد أشــكال ومضاميــن عديــدة للتعبيـر بصـورة مخالفـة مثلا للمادة 19 مـن العهـد الدولـي الخـاص بالحقـوق المدنيــة والسياســية.
وبهدف تطوير الإطار القانوني المتعلّق بحرية التعبير في تونس، أوصت المنظمة بإطلاق مشــاورات واســعة بيــن مختلــف المنظمــات والهيــاكل المعنيّة بالحــق فــي حريــة التعبيــر والإعـلام مـن أجـل الضغـط نحـو سـنّ إطـار قانونـي يتلاءم مع المعاييـر الدوليـة ذات الصلـة، وفــي انتظــار إلغــاء النصــوص القمعيــة ينبغــي تطبيــق المرســوم عــدد 115 علــى جميــع الأفراد بقطــع النظــر عــن المهنــة.
كما أوصت المنظّمة بنسـخ الفصـول 67 و125 و128 و121 مكـرر و121 ثالثـا و245 و246 و247 مـن المجلـة الجزائيـة لوجـود جرائـم مشـابهة صلـب المرسـوم 115 بعقوبـات أكثـر تلاؤما، ونسـخ الفصـل 86 مـن مجلـة الاتصالات لوجـود جرائـم مشـابهة صلـب المرسـوم 115 بعقوبـات أكثـر تلاؤما، ونسـخ الفصـل 91 مـن مجلـة المرافعـات والعقوبـات العسـكرية أو اسـتثناء المدنييـن مـن المثـول أمـام القضـاء العسـكري فـي القضايـا المتعلّقـة بالحـق فـي حريـة التعبيـر إضافة إلى ضرورة اسـتثناء الصحفيّيـن مـن مجـال تطبيـق الفصـل 37 مـن قانـون مكافحـة الإرهاب ومنع غسيل الأموال، ونسخ المرسوم عدد 54 وخاصة الفصل 24 منه وإيقاف جميع التتبعات التي جرت على أساسه.

مجلس هيئة المحامين يطالب بإطلاق الحرّيات

في اجتماعه المنعقد بصفة طارئة خلال الأسبوع الأوّل من شهر جانفي الجاري، أعرب مجلس الهيئة الوطنية للمحامين التونسيّين عن قلقه من طريقة التعاطي مع الملفّات التي تتعلّق بالمحامين الناشطين السياسيين والصحافيين والنقابيين والتي يشوبها إخلالات جوهرية واتّسمت بالتسرّع في إصدار بطاقات إيداع بالسجن دون الالتزام بزمن معقول للبتّ في ملفّاتهم التي طال نشرها دون موجب قانوني ممّا يخلّ بحقّهم في محاكمة عادلة و بقرينة البراءة وبأنّ المبدأ هو حريّة الفرد.
كما أكّد المجلس في بيانه، على التزام المحاماة بدورها الوطني وثوابتها المبدئية القائمة على استقلالية المهنة واحترام ضمانات الدفاع كآلية للدفاع عن الحقوق والحرّيات العامة وعن رفضه لجميع الممارسات التي تحدّ من حصانة الدفاع والتي تقيّد ممارسة الحقوق والحرّيات العامة والفردية، مشدّدا على استعداده للتصدّي لجميع تلك الممارسات وخوض كافة الأشكال النضالية والتحرّكات الاحتجاجية المناسبة في صورة عدم الاستجابة لمطالبه.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×