الرئيسية / صوت الوطن / الزيارات الفجئية أسلوب قديم لا يقدّم ولا يؤخّر
الزيارات الفجئية أسلوب قديم لا يقدّم ولا يؤخّر

الزيارات الفجئية أسلوب قديم لا يقدّم ولا يؤخّر

بقلم علي البعزاوي

تكثّفت في الفترة الأخيرة زيارات الرئيس قيس سعيد إلى بعض الجهات والمؤسسات والمستودعات ومحطات النقل وغيرها لمتابعة وتقصّي ما يحصل داخلها من تجاوزات وإخلالات وصفها بالمؤامرات ووضعها في خانة الفساد والإفساد واتّخذ بعدها إجراءات وصلت حدّ إقالة مسؤولين ووزراء…

ملاحظات أولية:

  • إن هذا الأسلوب الذي يتوخاه الرئيس قيس سعيّد والمتمثل في زيارات فجئية معدّ لها من جانب واحد (تصوير للزيارات – كشف مباشر عن التجاوزات والإخلالات – تصوير وبث… ثم نقل عبر شاشات التلفزة …) مارسه الرئيس السابق زين العابدين بن علي في الفترة الأولى من حكمه وكان محلّ ترحيب وقبول من المواطن العادي لأنه ينقل مباشرة ما يحدث في الواقع ويكشف التجاوزات والتقصير ويعرّي بعض مواطن الفساد… الخ.
  • لكن هذه الزيارات ولئن مهّدت لاتخاذ قرارات وإجراءات لاقت صدى إيجابيا فإنها لم تعالج أصل الداء وجوهر المسائل. وما يتّخذ من قرارات، تبدو في الأوّل مناسبة وبنّاءة، لا يضع حدّا نهائيا للفساد والإخلال والتجاوز لأنها ظواهر عامة تشمل كل القطاعات والمؤسسات دون استثناء. وهي متجذّرة في المجتمع ولا تنتهي بمجرّد اتّخاذ قرارات وإجراءات.
  • إن إقالة وزير أو كاتب دولة أو مسؤول أول في هذه المؤسسة أو تلك لا يمكن أن يمنع منطقيا خلَفه من اقتراف نفس التجاوزات.
  • إن الزيارات الفجئيّة لا يمكن أن تغطّي كل المؤسسات والجهات فهذا يتطلّب طاقات وإمكانيات وقدرات ومتابعات لا يمكن أن يجسّمها الرئيس بمفرده مهما كانت درجة إصراره ووفائه بالتزاماته واستعداده للمضيّ إلى الآخر في الكشف والمراقبة المحاسبة.

لا بدّ من دورٍ أساسي للمؤسسات والهيئات المستقلة

تونس بحاجة في الحدّ الأدنى إلى مؤسسات منتخبة ديمقراطيا وممثلة ومسؤولة تجاه الناخبين تتولّى رصد ومتابعة مختلف الإخلالات والقضايا والتجاوزات واتّخاذ القرارات المناسبة بشأنها وفق ما يضبطه القانون مع ضمان حقوق الدفاع. وهذا يتطلب بطبيعة الحال قضاءً مستقلّا عن السلطة التنفيذية يعمل وفق منظومة قانونية يحدّدها مجلس تشريعي منتخب ديمقراطيا وممثلا فعلا للشعب وليس مجرد مجمع موظفين يأتمر بأوامر السلطة التنفيذية على غرار ما هو حاصل اليوم. مثلما يتطلب إعلاما حرّا ومستقلْا يلعب دور كشف الحقائق وعرضها على الرأي العام حتى يستطيع معرفة ما يجري داخل البلاد وفي مختلف القطاعات ويكون قادرا على اتّخاذ الموقف المناسب في هذا الاتّجاه أو ذاك . إعلام يفتح منابر الحوار الحر بشأن كل القضايا الاجتماعية والسياسية والثقافية وغيرها ويكرّس الرأي والرأي الآخر بعيدا عن كل أشكال الجزر. كما يتطلب منظمات حقوقية مستقلة تضمن الحقوق الفردية والجماعية وتدافع عنها بكل حرية ومسؤولية.
إنّ أحد أهمّ الإخلالات في ثورة الحرية والكرامة، وهو في نفس الوقت أحد أسباب نجاح الثورة المضادة، يتمثل في عدم فتح ملفات الفساد داخل مؤسسات الدولة لتطهيرها من الفاسدين ومحاسبة كل التجاوزات والجرائم أمام القضاء. الأمور تمت في البداية بانتقائية ثم سرعان ما توقّفت لأن الأغلبية التي أفرزتها الانتخابات سواء في المجلس التأسيسي أو المجالس النيابية التي تلته لم تكن مستعدّة للمضي قدما في المحاسبة، بل على العكس من ذلك وظّفت الدولة العميقة لتثبيت حكمها والاستفادة من الفاسدين عبر عقد الصفقات معهم مقابل إخلاء سبيلهم وإنهاء التتبّعات ضدّهم.

في المحصلة

إن الزيارات الفجئية أو غير المنظّمة هي أسلوب/سلوك يقع توخّيه في ظلّ غياب المؤسسات أو ضعفها أو من أجل تهميش دورها في المجتمع. والهدف منها بطبيعة الحال هو كسب تأييد الرأي العام والتعويض عن الإخفاقات في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتنصّل من المسؤولية…
وفي الفترة الحالية تندرج هذه الزيارات في إطار البروباغندا الانتخابية التي تعمل على إعداد الرأي العام لتبنّي سردية الرئيس “المقاوم للفساد” و”الكاشف للمؤامرات” و”المرتبط بشعبه“ و”المدافع عن مصالحه ضدّ المتجاوزين والمتآمرين“ حتى ولو تحمّل مسؤولية تعيينهم في هذا المنصب أو ذاك ومن ثمّة القبول به كخيار والتصويت لصالحه في الانتخابات القادمة والدفاع عن شخصه ضدّ معارضيه وضد كل “المشكّكين” في قدرته على معالجة أزمات البلاد.

إلى الأعلى
×