الرئيسية / عربي / النظام الرسمي العربي في خدمة قوى العدوان الهمجي
النظام الرسمي العربي في خدمة قوى العدوان الهمجي

النظام الرسمي العربي في خدمة قوى العدوان الهمجي

بقلم عمار عمروسية

يبدو أنّ واحدة من أكثر الحقائق شيوعا لدى “النخب” والشعوب العربية هي تلك المتصلة بحالة النظام العربي الرسمي وأدواره في أتون العدوان الصهيو/أمريكي الغاشم.
فالهوّة بين الأنظمة السائدة والمحكومين أضحت سحيقة ولم يعد من الممكن وفق أغلب الملاحظين الموضوعيين لا ردمها ولا حتّى جسرها خصوصا بعد حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي ضدّ الشعب الفلسطيني في “غزة” و”الضفة الغربية” زيادة عن الجرائم الفظيعة للكيان الصهيوني في “لبنان” و”سوريا” و”اليمن”…
فالكيان العنصري النازي بمشاركة أمريكية نشيطة ودعم غربي كسر كلّ قواعد الاشتباك القديمة وأمعن في سياسات التوسّع والإلحاق (سوريا، لبنان، الضفة الغربية) وانغمس دون أدنى ضوابط قانونية وأخلاقية منذ 7 أكتوبر 2023 في عدوان همجي شامل من أجل إعادة صياغة وجه المنطقة بما يتلائم بما درج علي تسميته “الشرق الأوسط الجديد” الخالي من جميع أشكال المقاومة والخاضع كليا لسطوة الاحتلال الاستيطاني الصهيوني.
فالمنطقة العربية وعلى الأخصّ شعوبها ومجمل حركات تحرّرها الوطني على مشارف الولوج إلى طور شديد القتامة والمخاطر في عالم شديد الاضطراب وحادّ التحوّلات تطال تداعياته السلبية وجود بعض الهوّيات القطرية للكثير من دول المنطقة.
فـ”الشرق الأوسط الجديد” وفق المنظور الصهيو / الأمريكي / الغربي لن يستكمل جميع ملامحه إلا بمحو الحدود الجغرافية القديمة وإعادة إنتاجها خارج ترتيبات اتفاقية “سايكس / بيكو” الأمر الذي يقود بالضرورة إلى تعميق أوضاع الانقسام والتشظي الجغرافي والديموغرافي على أسس طائفية ومذهبية الخ…
فتقسيم المقسّم كما يقال بما يعنيه من إزالة كيانات أو إضعافها وإنهاكها زيادة عن إدخالها في أتون صراعات مدمرّة كلّها من المآلات المنتظرة التي بدأت بواكيرها الواضحة تجد تكريساتها على أرض الواقع منذ أكثر من عقد، وليس مستبعدا أن تتفاقم مستقبلا مثل هذه الظواهر التي تصبّ جميعها في مزيد انشطار “الدولة القُطْرية” إمّا إلى دويلات ضعيفة أو كيانات هشّة تحت عناوين مشوّهة مثل “الحكم الفيدرالي” أو “الإدارة الذاتية ” الخ…
إنّ هذه التحوّلات وغيرها كثير يدعم القناعة بحجم الانهيارات الخطيرة التّي لحقت بالمنطقة وشعوبها التي يرزح أغلبها تحت أنظمة ديكتاتورية فاسدة وعميلة أخذت على عاتقها ضمن مسار طويل تطويع “جامعة الدول العربية” لمخطّطات وأهداف القوى الامبريالية وصنيعتها الكيان الصهيوني ألأمر الذي سهلّ مهمّات نقل “جامعة العرب” من دوائر العجز والتخاذل إلي مربعات الغدر والتآمر على أعدل وأنبل قضايا عصرنا الرّاهن ونعني بطبيعة الحال القضية الفلسطينية.
فالمجازر الوحشية المرتكبة في “غزة” والمنقولة صورة وصوتا كما لم يحدث من قبل حرّكت مع الوقت ليس فقط الشوارع والساحات العامّة عربيا وعالميا وإنّما أغلب الهيئات الدولية زيادة عن الكثير من دول العالم في مختلف القارّات.
فالأصوات الشعبية وحتّى الرسمية المندّدة بحرب الإبادة الجماعية تعالت كما لم يحدث من قبل والإجراءات الملموسة ولو جزئيا لإيقاف آلة التقتيل الوحشي بدأت تشقّ طريقها في أكثر من مكان بما فيها في بعض الدول الغربية المعروفة بدعمها للكيان الصهيوني (بريطانيا، الاتحاد الأوروبي، كندا، أستراليا…).
فالخناق ما انفكّ يشتدّ على رقاب العصابة الفاشية لحكومة “نتانياهو” وحالة العزلة حول الكيان الغاصب في خطّ تصاعدي فرض الاعتراف به حتّى من قبل شخصيات سياسية وعسكرية صهيونية نذكر من بينها “يائير غولان” نائب أركان جيش الاحتلال الأسبق ورئيس الحزب “الديمقراطي” الصهيوني الذي صرّح في الأيام القليلة الماضية قائلا “إسرائيل في طريقها إلى أن تصبح دولة منبوذة بين الأمم…”.
في هذه المناخات وحده النظام الرسمي العربي من خلال جامعته العربية وقممها المتعاقبة مازال يمدّ طوق النجاة للكيان المنبوذ ويقف عاجزا حتّى عن ملامسة الحدّ الأدنى للتباين مع غطرسة ووحشية قوى العدوان.
فالقمة العربية عدد 34 المنعقدة مؤخرا لم تكن في كلّ جزئياتها سوى إعادة ركيكة لقمتين سابقتين إن في الجوانب الشكلية أو من الزاوية المضمونية.
فقمّة بغداد انطلقت منذ يومها الأول بحيثيات كثيرة تنذر بأنّ طحينها كالمعتاد خذلان وتآمر فظيع ضدّ الشعب الفلسطيني الصامد ومقاومته الباسلة مثلما هو الحال لباقي شعوب المنطقة ومقاوماتها.
فالتمثيل الديبلوماسي كان أضعف من قمة “الرياض” بما أنّ أمراء وسلاطين دول الخليج اكتفوا بترتيب أوضاعهم مع رجل الصفقات والرشاوي المجرم “ترامب” الذي عاد لبلاده بأكثر من 1.5 تريليون دولار!!!أمّا حضور الرؤساء فلم يتجاوز عدد أصابع اليد من بينهم كلّ من “محمود عباس” و “رشاد محمد العليمي”.
فالأول لا سلطة له حتّى على مقرّ إقامته وغرفة نومه، أمّا الثاني فهو دائم الإقامة بالسعودية ويكاد لا يعرفه إلاّ نفر قليل حتّى في بلاده.
إنّ مثل هذا الحضور مقدّمة لتوقع الأشغال والخواتيم التي جاءت أكثر هزالا حتّى من سابقاتها.
فكلمات من تحدّثوا كانت غارقة في الرتابة والعموميات ولم تقدر حتّى من الناحية الشكلية محاكاة الخطب الرنانة سابقا.
والأنكى من ذلك نزوع جلّ التدخلاّت نحو التمسّك بمبادرة السلام العربية والتباكي على التعايش السلمي والسلام!!! بما يفتح الأبواب مشرّعة أمام استئناف عمل قطار التطبيع وفق تعليمات “ترامب” انسجاما مع صفقة القرن.
أكثر من ذلك، فقد وجد “محمود عباس” الوقاحة للتهجم على عملية 7 أكتوبر البطولية ووصل به الأمر حدّ المجاهرة بضرورة نزع سلاح المقاومة ومغادرة قيادتها أراضي فلسطين!!!
والأهم من كلّ ذلك جاء البيان الختامي في كل ْ فقراته المتصلّة بالعدوان الهمحي استنساخا حرفيا لفقرات مطوّلة لبياني القمتين السابقتين.
فحدود اللغة في البيان مفردات الشجب والإدانة والمناشدة ولم يقترب مطلقا من ضبط آليات دنيا في وقف المجازر المروّعة.
فالنظام الرسمي العربي أسقط عن وجهه جميع الأقنعة وتحوّل بصفة نهائية إلى معول خراب وتدمير بيد الإمبريالية والصهيونية.

إلى الأعلى
×