الرئيسية / صوت العالم / الحرب الامبريالية الروسية الأوكرانية: أيّ نتائج للمفاوضات؟
الحرب الامبريالية الروسية الأوكرانية: أيّ نتائج للمفاوضات؟

الحرب الامبريالية الروسية الأوكرانية: أيّ نتائج للمفاوضات؟

بقلم منذر خلفاوي

إنّ الحرب الروسية الأوكرانية هي حرب بين القوى الامبريالية، روسيا من جهة وحلف الناتو من جهة ثانية، وليست كما يدّعي البعض أنّها حرب تحرير للشعب الأوكراني أو هي حرب دفاعية بالنسبة للنظام الروسي، بل إنّ دوافعها هي الصراع بين الأقطاب الامبريالية من أجل الهيمنة وإعادة اقتسام النفوذ خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية والتي ذهب ضحيتها منذ اندلاع تلك الحرب سنة 2022 أكثر من مليون من الأبرياء من الشعبين إلى جانب الخسائر المادية في البنى التحتية والمنشآت…
لقد تمّ استعمال أسلحة الدمار المتطورة وأنفِقت أموال دافعي الضرائب على التسلح على حساب قوت الطبقات الفقيرة وصحتها وتعليمها ولم تقدر أيّ من القوى المتصارعة على حسم الحرب بالرغم من العقوبات الاقتصادية على روسيا وبالرغم من توقف إمداد الغاز الروسي إلى أوروبا.

أهداف ترامب من إنهاء الصراع الروسي الأوكراني

دشّن ترامب إثر صعوده للحكم لولاية ثانية بداية 2025 مرحلة جديدة تحت شعار ” أمريكا أولا ” و أعلن عن سياسة اقتصادية حمائية بفرض الرسوم الجمركية على السلع الأجنبية بما في ذلك الأوروبية مستهدفا بصفة رئيسية الصين المنافس الاقتصادي والمالي الأبرز، وكان من بين الإجراءات المعلن عنها العمل على إنهاء الحروب في فلسطين وأوكرانيا… الخ وإحلال السلام وغيرها من الادعاءات والمهاترات التي أظهر الواقع زيفها خاصة فيما يتعلق بوقف الحرب في غزة في صورة إطلاق سراح الرهائن إذ تتواصل الإبادة الصهيونية برعاية أمريكية.
تتجه سياسة ترامب في المرحلة الحالية نحو تركيز الجهود على الصين وتحييد روسيا مؤقتا إذ أكّد عدم استعداد بلاده لتمويل ميزانية الناتو، أداة هيمنة الامبريالية الأمريكية على أوروبا والعالم والمقدرة بـ 860 مليار دولار، والتي تساهم فيها أمريكا بنسبة 68 %، وهو يطالب البلدان الغربية بتقاسم الأعباء بالترفيع في مساهماتها في الميزانية وهو ما قامت به الدول الأوروبية صاغرة على حساب شعوبها.

انطلاق متعثر لمفاوضات وقف الحرب

انطلقت هذه الأيام، إثر فشل مفاوضات سنة 2022 التي جرت بعد شهرين من اشتعال الحرب، المباحثات بين البلدين بضغط من أمريكا خاصة على الجانب الأوكراني، بعد ثلاث سنوات من الاقتتال وذلك يوم 15 ماي في إسطنبول بوساطة أمريكية تغيّب عنها بوتين، اتفق أثناءها الوفدان على تبادل ألف أسير من كلا الجانبين كإجراء لبناء الثقة لكن ذلك لم يرض أوكرانيا ولا إيطاليا وفرنسا وألمانيا التي اعتبرت أنه ليس هناك إرادة حقيقية لإنهاء النزاع وطالبت بمزيد الضغط على روسيا لوقف الحرب وإدخال المساعدات الإنسانية، فيما اعتبر بوتين أنّ اللقاء المباشر يتطلب توفير شروط السلام والتفاهمات المسبقة ومن بينها جعل أوكرانيا دولة محايدة وعدم امتلاك أيّة أسلحة دمار شامل وأن لا يكون بين البلدين قوات أخرى وأن تتنازل أوكرانيا عن المناطق الأربع (لوهانسك، دونيتسك، زاباروجيا، خيرسون) إضافة إلى شبه جزيرة القرم وإيجاد منطقة عازلة بين البلدين وهو ما يؤكد رجحان كفة موازين القوى لصالح روسيا بعد تخلي ترامب عن كييف ووقف الدعم العسكري لها.
وبالفعل بعد يومين من المفاوضات تعرضت كييف لهجوم عنيف على منشآت مدنية وعسكرية (273 مسيّرة من طراز شاهد…) وقد عبّر بوتين منذ أيام على اعتزامه إطلاق صاروخ عابر للقارات لمسافة عشرة آلاف كلم قادر على حمل مليون طن من مادة (ت.ن.ت.) الشيء الذي أثار غضب البلدان الأوروبية وعجّل من ناحية أخرى بمحادثة هاتفية بين ترامب وبوتين لمدة ساعتين أكد بعدها كل من ترامب وبوتين أنّ المفاوضات ستنطلق من جديد لإحلال السلم وأن روسيا ترغب في تجارة كبيرة مع أمريكا …الخ.

النتائج المحتملة والآفاق

إن الصراع بين الأقطاب الامبريالية الذي يشهده العالم منذ سنوات ليس مستجدا وما يحدث حاليا هو أن الامبريالية الأمريكية المهيمنة غيّرت سياستها تكتيكيا لدعم موقعها عبر محاولة استمالة أو تحييد أحد الأقطاب المنافسة وهي روسيا وتركيز الحرب التجارية والمالية على “التحدي الاستراتيجي” المتمثل في الامبريالية الصينية بصفة خاصة لما تمثله من خطر بتمددها الجغرافي في إفريقيا وآسيا عبر مبادرة الحزام والطريق وما تقيمه من تحالفات إقليمية مثل اتفاقية التجارة الحرة مع كوريا الجنوبية واليابان أو تقاربها مع روسيا المعلن في 2022 تحت عنوان “الصداقة بدون حدود” وآخرها ما نتج عن زيارة الرئيس الصيني “شي جين بين” لموسكو بمناسبة ذكرى يوم النصر وإمضاء عشرين اتفاقا في ميادين مختلفة والتأكيد على التزامهما بتعميق التعاون الاستراتيجي من أجل عالم متعدد الأقطاب مبني على العدالة… الشيئ الذي دفع ترامب إلى الردّ بالقول “إننا أقوى جيش في العالم وأقوى من الصين وروسيا معا”.
يتميّز الوضع الدولي الحالي بتفاقم الخلافات والصراعات وما السعي إلى زيادة ميزانيات التسلح وما التهديد باستعمال الأسلحة المتطورة حتى النووية منها إلا دليل على أن الحروب لن تتوقف بل يمكن انفجارها في أكثر من مكان، أمّا فيما يتعلق بالحرب الروسية الأوكرانية، حتى لو افترضنا وصول المفاوضات إلى حل سياسي سلمي، فهي تبقى قابلة للانتكاس مرة أخرى بالنظر لما تمثله للاتحاد الأوروبي من تحدي لإثبات قوته العسكرية المتنامية بعد تخلي أمريكا عنها.
إن السيناريو الأقرب للتحقيق بعد المفاوضات المقبلة في الفاتيكان بين الإمبريالية الروسية والنظام الأوكراني عميل الامبريالية الأمريكية سيكون على حساب الشعبين الروسي والأوكراني إذ أن ترامب سيفرض على زيلنسكي نهب الثروات المنجمية الثمينة لأوكرانيا لسداد ما تخلد بذمتها من ديون لصالح الشركات عبر القطرية الأمريكية وكذلك فرض خطته لتقسيمها إلى ثلاث مناطق، واحدة تحت هيمنة روسيا لدعم نفوذ بوتين والثانية تحت هيمنة القوى الفرنسية البريطانية وأخرى للنظام الأوكراني، وفي انتظار نتائج المفاوضات التي يمكن أن تدوم لمدة أخرى يتواصل التدمير والقتل لشعوب وشباب ونساء البلدين المتصارعين.

ختاما

على القوى التقدمية العمل على فضح الطابع الكاذب لما يدّعيه ترامب من أنه جاء لإنهاء الحروب وإحلال السلام لأن الصراع بين الأقطاب الامبريالية محتدّ ويأخذ اليوم الصبغة التجارية أساسا عبر السياسة الحمائية وفرض الرسوم الجمركية على أغلب الدول التي ردّت بالمثل واتجاه أغلب البلدان إلى الترفيع في ميزانيات التسلح وعسكرة الاقتصاد إعدادا لحروب دمار شامل في الوقت المناسب، لذلك لا حل لإنهاء الحروب وإحلال السلم فعليا إلا بتكوين الجبهات المعادية للفاشية والامبريالية من طرف الأحزاب والمنظمات التقدمية والاشتراكية لإسقاطها.

إلى الأعلى
×