الرئيسية / الافتتاحية / الحرب الروسية الأوكرانية والاتجاه نحو الانفلات المدمّر
الحرب الروسية الأوكرانية والاتجاه نحو الانفلات المدمّر

الحرب الروسية الأوكرانية والاتجاه نحو الانفلات المدمّر

تشهد الحرب الرّوسية الأوكرانية في الأيام الأخيرة مؤشّرات متناقضة. ففي الوقت الذي انطلقت فيه المفاوضات بين طرفي الصراع في العاصمة التركية بوساطة أمريكية اعتبرها ترامب أحد أهمّ عناوين حملته الانتخابية، تتجه الأوضاع على الميدان نحو مزيد التوتّر، بل أصلاً نحو الانفجار خاصة بعد العمليات “النوعية” التي قام بها الجيش الأوكراني في قلب التراب الروسي. حصل ذلك بعد أن كانت كل الأخبار والتحاليل القادمة من أرض المعارك تؤكد حجم الخسائر الكبرى التي تكبّدها جراء الضربات الموجعة التي وجّهها له الجيش الروسي. فعلاوة على أنه، أي الجيش الأوكراني، لم يتمكن من استعادة الأراضي التي أصبحت تحت السيطرة الروسية فإنه خسر في المدة الأخيرة أراضي أخرى ذات طابع استراتيجي. وقد تزامن ذلك مع “التصادم” الحاصل في العلاقة بين كييف وواشنطن منذ وصول ترامب الذي مارس كل الضغوط على أوكرانيا من أجل الحصول على تعويضات مشطة مقابل مساهمة الأمريكان في الحرب أولا، وإمضاء اتفاقيات تمكن أمريكا من وضع يدها بشكل يكاد يكون كليا على المعادن الثمينة التي يحتويها باطن أرض أوكرانيا والتي يعود إليها في الأصل اندلاع الحرب بحكم تكالب رأس المال في روسيا أو أوروبا وأمريكا على “أخذ نصيب” من هذه المعادن التي ستكون عنوان الصراع الدولي وشرط بناء القوة في النصف الثاني من القرن الحالي.
لقد اطمأنت روسيا بعد تنظيم تظاهرة دولية استعراضية يوم 9 ماي الجاري بمناسبة الذكرى الثمانين (80 سنة) للانتصار على الفاشية والتي بلّغت عبرها رسائل لعديد الأطراف مفادها أنّ الدبّ الروسي قد عاد إلى مكانته كفاعل دولي كبير. تزامن إحياء التظاهرة مع توجيه تهديد غير مسبوق لكييف من قبل مدفيديف رئيس مجلس الأمن القومي بأن روسيا ستمسح كييف من الوجود إذا ما تجرّأت على إحداث أيّ إرباك أمني للتظاهرة التي انتهت بسلام بحضور العديد من حلفاء روسيا. ويبدو أن هذا “الاطمئنان” تواصل مع انطلاق مفاوضات تركيا لتتفاجأ روسيا بضربة عسكرية موجعة طالت في العمق مقدرات عسكرية استراتيجية بوسائل تكتيكية تتمثل في مسّيرات تسّللت إلى داخل التراب الروسي على أنها أكواخ محمولة وهو ما شكّل اختراقا مخابراتيا رهيبا في لحظة فارقة سواء في مسار هذه الحرب، أو في مجمل سيرورة الصراع الدولي الضاري الجارية معاركه في المنطقة ضمن صراع الامبرياليات التقليدية والصاعدة من أجل إعادة صياغة السيطرة على القارة العجوز ومنطقة البلطيق والشرق الأقصى. ولم تكتف أوكرانيا بهذه الضربة الموجعة بل استهدفت أهدافاً مدنية أخرى بما شكل مؤشرا لخلط للأوراق عسكريا وسياسيا له ما قبله وما بعده خاصة بتوجه بوتين بخطاب إلى مواطنيه في الاتحاد الروسي مصرحا بكون الردّ سيستهدف كييف رأسا.
إنّ طبول الحرب تصاعد قرعها والوارد أنها ستضع العالم على صفيح أسوأ السيناريوهات وهو استعمال السلاح النووي في المواجهات القادمة. واللحظة الراهنة تؤشر على أنّ العالم كله يشهد تطورا جديدا قد يكون منعرجا يفتح على فصل جديد من صراع الامبرياليات الذي اندلعت من رحمه كل الحروب السابقة كبيرها وصغيرها.
إنّ الإمبريالية التي لا همّ لها سوى مصالحها مستعدة اليوم لحرق العالم لأجل ذلك.
إنّ الإنسانية تُقْبِل اليوم على سيناريو الحرب الكبرى التي لن يكون ضحيتها إلّا شعوب العالم وعماله. فمثلما يقتل الشعب الفلسطيني من طرف كيان الاحتلال ربيب الإمبريالية الأمريكية، ستسفك مزيدا من دماء الأبرياء من أجل المصالح الجشعة لحفنة من اللصوص اللذين يحكمون العالم.

إلى الأعلى
×