بقلم علي المالكي
هل من مساوئ الصدف أن يرحل عنا رفيقان من طراز عال بفارق سنتين وفارق يومين… ففي يوم 16 جوان 1989 فقدنا الرفيقة فاطمة البحري “رتا” ويوم 14جوان 1991 فقدنا الرفيق محمد العجيمي والاثنين بحادث مرور.
وإننا اليوم في حاجة ماسّة إلى الاستلهام من تجربتهما، إنهما يمثلان نموذجا للشيوعي الذي لا يدّخر قطرة دفاعا عن تنظيمه وشعبه.
الرفيقة فاطمة البحري “رتا” والرفيق محمد العجيمي يتميّزان بخصال نوعية ونادرة، وكانت فيهما ملامح القائد الثوري، وقد تميزا بقدرة فائقة على التجميع والتحريض…
14 جوان 1991 كان يوما حزينا في ڤبلي وفي ذاكرة مناضلات ومناضلي حزب العمال وفصيله الشبابي.
14 جوان 2025 هو الذكرى الرابعة والثلاثون (34) لرحيل الرفيق محمد العجيمي.
فالرفيق فارقنا بدون وداع في عزّ العطاء ولم يتجاوز عمره 25 سنة، ورغم أن عمره كان قصير جدا إلا أنه كان مليئا بالنضال والتضحية ونكران الذات.
التحق الرفيق بمدرسة المعلمين بقفصة أين صادف تأسيس حزب العمال الشيوعي التونسي وكان من أصغر نوابه في مؤتمره التأسيسي. وعند التحاقه بعمله معلما في توزر ثم قبلي كان منظما بارعا ومفكرا لا يكفّ قلمه عن الكتابة.
الرفيق محمد شاعرا أصدر ديوانه الأول “ارتسامات لعرس الشوارع” وعند وفاته كان ديوانيه الثاني والثالث تحت الطبع.
الرفيق محمد العجيمي ككل القوارب يتمتع بحسّ إنساني رفيع سواء مع رفاقه أو تلاميذه أو مع عامة الناس، كان يغسل شعر تلامذته في حنفية المدارس التي مرّ بها مقتديا برفيقه شهيد الحرية نبيل البركاتي.
16 جوان 1989 يوم حزين في ذاكرة مناضلات ومناضلي حزب العمال وفصيله الشبابي اتحاد الشباب الشيوعي التونسي والفصيل الطلابي لاتحاد الشباب “النقابيون الثوريون”.
16 جوان 2025 هو الذكرى السادسة والثلاثون (36) لانطفاء شمعة فاطمة البحري أو “رتّا” الاسم الحركي التي عرفت به لدى رفاقها في اتحاد الشباب الشيوعي التونسي في حادث مرور لم يمهلها طويلا…
لقد كان لوفاة فاطمة البحري “رتا” وقعٌ كبير على كل الذين عرفوها عن قرب في ساحات النضال الطلابي وخارجها. فقد كانت “رتّا” مثالا للشيوعي الحقيقي وتَحظى باحترام الجميع، من كافة التيارات الفكرية والسياسية في كلية الآداب بمنوبة وفي الجامعة التونسية لدورها الفعال في إنجاز المؤتمر 18 خ.ع. للاتحاد العام لطلبة تونس ولدفاعها على مصالح عموم الطلبة لمبدئيتها ونزاهتها وشجاعتها. كما كانت لها مكانة كبيرة في صفوف حزب العمال الشيوعي التونسي الذي كانت رغم صغر سنها من أوّل المنخرطين في صفوفه إثر إعلان تأسيسه.
وُلدت فاطمة البحري في أحد الأرياف المنسية من دفاتر التنمية البورڤيبية، ولدت بريف بني مالك – آزمور من معتمدية قليبية. وبعد أن أنهت تعليمها الابتدائي بمدرسة زاوية آزمور والثانوي بمعهد عبد العزيز خوجة بنجاح التحقت بكلية الآداب بمنوبة حيث درست الآداب الفرنسية. وكانت الفقيدة منذ مرحلة التعليم الثانوي تنشط في صفوف اليسار وصدر لها نص بجريدة الرأي حول رداءة الأكلة المقدمة للتلاميذ المقيمين وأطردت من جميع المعاهد التونسية سنة 1981 بسبب نشاطها في الحركة التلمذية. ولما أعلن عن تأسيس حزب العمال الشيوعي التونسي في 3 جانفي 1986 التحقت به وتميّزت بدفاعها المستميت عن خطه الثوري في الجامعة وفي النوادي الثقافية “نادي باب العسل” والنسائية ” نادي الطاهر الحداد”، وقد تميّزت فاطمة البحري بنشاطها الميداني. فقد كانت “رتّا” حاضرة في كل المعارك التي شهدتها الجامعة وقتها (ما بين 1986 – 1989) ضد الدكتاتورية وكانت خطيبة بارعة، لها قدرة فائقة على تعبئة الطالبات والطلبة في الإضرابات والتجمّعات والمسيرات. ولم تكن تخشى المواجهات مع البوليس في الكلية وفي الشارع.
ورغم بروزها في النضالات العلنية، فقد كانت تتمتع بقدرات كبيرة للقيام بمهام غاية في السريّة. كانت “رتّا” تتكيّف وتغيّر هيأتها لحضور موعد سرّي أو نقل أدب و في أواخر شهر ماي شعرت ببعض الآلام فقررت زيارة أحد الأطباء بمدينة جندوبة من أصدقاء الحزب ولم تكن في مهمة نضالية كما أشاع البعض وفي طريق العودة إلى تونس اصطدمت السيارة التي كانت تقلّها بسيارة أخرى وتوفيت على عين المكان تاركة لوعة كبيرة في قلوب أفراد عائلتها ورفيقاتها ورفاقها، وكل الطالبات والطلبة من أبناء جيلها الذين لقّبوها بـ”رتّا” التي تغنّى بها مرسال خليفة.
وكتب محمد مجمد العجيمي قصيدة وأهداها لـ”رتا”:
”قبلات الوجد لقمر لن يموت
طفلة بعينين خضراوين
وقامة كعود شجرة السرول
الذي لن يلين
امرأة تحبل وتلد قبل الأوان… ثمّ لا تستكين
تلك هي “رتا” الرفيقة والإنسانة
….
نحن الحمر حد النخاع
ونحن في لحظة الوداع
نعانق الشوق…
ونسافر بعيدا…
ونعاين الأوضاع
ونحن الدم الساقي الأزقة…
والمدن والقرى
نحن إن اختفى القمر
نشعل بدموعنا المصباح
نحن إن توقف السيل
نصنع بأجسادنا البركان
ونحن إن ارتد القوم
لا تفل فينا الأوجاع”
قبلي، في 23 جوان 1989