الرئيسية / صوت الوطن / نسف ممنهج لمكاسب الثورة: بعد تعتيم استمرّ لقرابة 5 سنوات.. قرار بالغلق النهائي للهيئة الوطنية للنفاذ إلى المعلومة
نسف ممنهج لمكاسب الثورة: بعد تعتيم استمرّ لقرابة 5 سنوات.. قرار بالغلق النهائي للهيئة الوطنية للنفاذ إلى المعلومة

نسف ممنهج لمكاسب الثورة: بعد تعتيم استمرّ لقرابة 5 سنوات.. قرار بالغلق النهائي للهيئة الوطنية للنفاذ إلى المعلومة

بقلم سمير جراي

أثار قرار سلطات الأمر الواقع بغلق مقر الهيئة الوطنية للنفاذ إلى المعلومة وإنهاء إلحاق موظفيها، بعد تعتيم دام لقرابة خمس سنوات بشأن مصيرها، أثار تنديدا واسعا في المجتمع المدني وعبّرت عدة جمعيات ومنظمات وطنية عن استنكارها الشديد واستهجانها ورفضها لهذا القرار.

اعتبرت منظمة “البوصلة” أنّ “السلطة عمدت، إلى غلق مقر الهيئة الوطنية للنفاذ إلى المعلومة وإنهاء إلحاق موظفيها، وهي خطوة تتوّج مسارا متواصلا من التهميش لهذه المؤسسة منذ 25 جويلية 2021”.

لم يتمّ تعويض رئيس الهيئة عماد الحزقي منذ أن تولى وزارة الدفاع في مارس 2020، كما جرى إنهاء إلحاق نائبه الذي تولى مهام الرئيس في 21 ماي 2024 بعد بلوغه الحد الأقصى لسنوات الإلحاق دون تعويضه ما أدّى لاستحالة اجتماع مجلسها وهو ما جعلها عاجزة عن البتّ في عرائض النفاذ للمعلومة وإصدار القرارات المتعلقة بها.

واعتبرت “البوصلة” أن “هذا القرار هو بمثابة مواصلة ممنهجة في نسف الضمانات المؤسساتية لمكافحة الفساد وأعمدتها، فبعد غلق هيئة مكافحة الفساد بما يحول دون التصريح بالمكاسب ويحرم المبلغين عن الفساد من آليات الحماية اللازمة، يُعَدّ غلق الهيئة الوطنية للنفاذ للمعلومة بعد أشهر من الشلل المدبّر خطوة أخرى مدروسة تحرم المواطنين من إمكانية التظلم أمام هيئة مستقلة”.

لا شك في أن حق النفاذ إلى المعلومة هو مكسب أساسي يتيح للمواطنين مُساءلة المسؤولين والمؤسسات، وكان أحد الخيارات الديمقراطية الأساسية التي تجسّدت منذ المرسوم عدد 41 لسنة 2011، ثمّ في دستور 2014، ومثل القانون الأساسي عدد 22 لسنة 2016 المتعلق بالنفاذ للمعلومة، آلية أساسية لتفعيل الدور الرقابي للمجتمع المدني.

تقول منظمة “البوصلة” إنها ارتكزت على هذا القانون للحصول على المعطيات المتعلقة بميزانية الدولة وشفافية البلديات ومجلس نواب الشعب وغيرها وإتاحتها للمواطنين والرأي العام، وقد مثلت الهيئة الوطنية للنفاذ للمعلومة إحدى ضمانات ممارسة هذا الحق.

ومنذ منذ 25 جويلية 2021 حدث تراجع فادح في استجابة الإدارات والمؤسسات لمطالب النفاذ للمعلومة، وتقول “البوصلة” إنه تجسّد مع رفض قيس سعيد الاستجابة لمطلب النفاذ للمعلومة الذي أودعته المنظمة بشأن التقرير المتعلق بجرد القروض والهبات في أوت 2022.

وقد سبق لسعيّد انتقاد عدم تطبيق قانون النفاذ للمعلومة من قبل مؤسسات الدولة خلال ترشحه لانتخابات 2019، وها هو يغلقها نهائيا اليوم!

النفاذ إلى المعلومة والشفافية هي إحدى ركائز النظام الديمقراطي ودولة القانون، وتفقد أيّ معنى في ظل سلطة تنتهك الحريات الأساسية العامة والفردية وخاصة حرية التعبير والصحافة بحسب “البوصلة” التي أكّدت أنّ “هذه الخطوة تندرج في إطار النسف الممنهج لمكاسب الثورة ولكل السلطات المضادة والمؤسسات الرقابية المستقلة كهيئة حماية المعطيات الشخصية، والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، والهيئة العليا المستقلّة للاتّصال السّمعي والبصري لمزيد تركيز سلطة الفرد المطلقة.

ودعت “البوصلة” منظمات المجتمع المدني للدفاع عن حق المواطنين في النفاذ إلى المعلومة والوقوف ضدّ مسارات التصحير والتضليل والتعتيم بحسب بيانها.

نقابة الصحافيين تستنكر وتعتبر القرار ضربة قاصمة للإعلام المستقل

النقابة الوطنية للصحافيين من جهتها عبّرت عن استنكارها لإقدام السلطة على غلق مقر الهيئة ونقل موظفيها إلى مقر رئاسة الحكومة، وقالت في بيان لها إن “هذه الخطوة تمثل إنهاء واقعيا لدور الهيئة كهيئة عمومية مستقلة لضمان الحق الدستوري في النفاذ إلى المعلومة”.

النقابة أدانت القرار الذي يفرض أمرا واقعا بتهديم أحد عناصر البناء الديمقراطي وهي الهيئات المستقلة، كما أوضحت أن السلطة سبق لها أن اتبعت نفس الأسلوب دون تبرير قانوني في غلق هيئة مكافحة الفساد وتجميد الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري (الهايكا).

وعن علاقة الصحافة بالهيئة أكدت النقابة أن الصحافيون يواجهون منذ سنوات عراقيل متواصلة في النفاذ إلى المعلومات الرسمية، وتمارس أغلب الهياكل العمومية سياسة التعتيم والتهرّب من الشفافية.

واعتبرت النقابة أنّ “هيئة النفاذ إلى المعلومة كانت إحدى أهم الأدوات التي ساعدت في فرض احترام القانون ووفرت للصحفيين سندا في معركتهم اليومية ضدّ البيروقراطية والتكتم، ولكن تعطيل هذه الهيئة هو خيار مقصود من السلطة لفرض سياسة الأمر الواقع وإرجاع البلاد إلى مربع إعلام البروباغندا والتضليل”.

اعتبر عدد من الصحافيين الذين تواصلت معهم “صوت الشعب” أن تعطيل الهيئة يعد وسيلة لتحويل الصحافة إلى أداة للترويج والدعاية الرسمية وهو بمثابة ضربة قاصمة للإعلام المستقل والحرفي، وأن قرار تعطيل الهيئة لا يمكن قراءته إلا كخيار مقصود من السلطة لفرض سياسة الأمر الواقع.

وحمّلت النقابة سلطات قيس سعيد المسؤولية الكاملة عن هذا المسار، وإغلاق أبواب المعلومات الرسمية في وجه الصحافيين والمواطنين، في تناقض صارخ مع وعودها بالشفافية، ودعت إلى التراجع الفوري عن القرار وتمكين الهيئة من ممارسة مهامها.

استنكار شديد من منظمتي “أنا يقظ” و”مرصد رقابة”

أمّا منظمتا “أنا يقظ” و”مرصد رقابة” فقد عبّرا عن استنكارهما الشديد لهذه القرارات التصعيدية ضدّ الهيئة معتبرين أنها تمثّل آخر قلاع الشفافية في تونس، وأشارت المنظمتان إلى أنّ تعطيل الهيئة جاء بشكل ممنهج، مثلما حدث مع الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وأنّ الحق في النفاذ إلى المعلومة يعدّ التزاما دوليا كرّسه دستور 2014 في فصله 32، وأكدته القوانين الوطنية وقد جعلت هذه المنظومة التشريعية من تونس نموذجا متقدما بفضل شمولية القانون، والالتزامات المحمولة على الإدارات العمومية، واستقلالية هيئة النفاذ إلى المعلومة باعتبارها الضامن الأساسي لممارسة هذا الحق.

مرصد رقابة أكد أنّ تونس سجّلت خلال السنوات الأخيرة، تراجعا مُقلقا في احترام مكسب النفاذ إلى المعلومة، فأرقام ومعطيات المرصد تؤكد ذلك، حيث كان المرصد من أكثر الأطراف التي استعملت هذا الحق، وتوجّه بأكثر من 1800 مطلب خلال خمس سنوات، وقد تراوحت نسبة الاستجابة للمطالب بين 85% سنة 2020 و40% فقط سنة 2024، وهو ما يعكس بوضوح حجم التدهور الحاصل في التطبيق العملي للقانون، وتوسّع الممارسات الإدارية التي تعرقل الحق في الوصول إلى المعلومات الرسمية.

تعتبر الهيئة الوطنية للنفاذ إلى المعلومة أحد أبرز أعمدة التجربة الديمقراطية في تونس بعد الثورة وأنشئت سنة 2016، وهي هيئة مستقلة تمكّن من ضمان حق كل شخص طبيعي أو معنوي في الحصول على المعلومة، وتعزيز مبادئ الشفافية والمساءلة.

كما تعيش عدد من الهيئات المستقلة حالة من الاستهداف والتجميد الإداري منذ 2021، على غرار هيئة مكافحة الفساد والهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري.

إلى الأعلى
×