الرئيسية / الافتتاحية / المقاومة تصمد في وجه الدمار… فلنبق سندا لها حتى النصر
المقاومة تصمد في وجه الدمار… فلنبق سندا لها حتى النصر

المقاومة تصمد في وجه الدمار… فلنبق سندا لها حتى النصر

دخل الطور الأول ممّا بات يعرف بـ”خطة ترامب” الخاصة بغزّة حيّز التنفيذ. ويمثّل هذا الطّور حالة ما يشبه الهدنة. وهو يتعلّق بإيقاف الحرب تحضيرا لعملية تسليم الرهائن الصهاينة من جهة وإطلاق سراح أسرى فلسطينيين لا زال التفاوض بشأن أسماء بعضهم متواصلا بعد التفاف حكومة كيان الاحتلال على القائمة الأولى التي تمّ إقرارها واحتوت أسماء من يوصفون بـ”الستة الكبار” من جهة ثانية. وقد تمّ الشروع في تنفيذ “الطور الأول” بعد مفاوضات عسيرة للغاية أظهرت فيها المقاومة حنكة كبيرة رغم الضغوط السياسية المسلّطة عليها من كلّ جانب والتي يضاف إليها ضغط الواقع المرير لأهل غزّة العظام الذين ظلّوا طوال عامين عرضة لحرب إبادة غير مسبوقة تهدف إلى تهجيرهم واقتلاعهم من أرضهم التي خطّط ترامب لتحويلها إلى مشروع عقاري يدرّ عليه الأرباح.

وما من شك في أنّ الكيان النازي وسيّده وشريكه المباشر في الجريمة، الامبريالي الأمريكي، ما كان لهما أن يأتيا لطاولة المفاوضات ويعرضا خطّتهما التي غلّفاها بالكثير من عبارات الغطرسة والتهديد والوعيد للظهور بمظهر الغالب الآمر، لولا فشلهما الذّريع في تحقيق أيّ من أهدافهما عن طريق الحرب، فلا المقاومة هزمت واستسلمت ولا أهل غزة تركوا أرضهم ولا الرهائن حرّروا. إنّ صمود المقاومة الأسطوري من جهة أولى وثبات الشعب الفلسطيني وتحمّله ما لا تقدر على تحمّله جبال الدّنيا مجتمعة من جهة ثانية وحجم التضامن الأممي المنقطع النظير بما فيه خاصة في البلدان الامبريالية الداعمة للكيان وشريكته في العدوان من جهة ثالثة، هي التي دفعت كلّا من ترامب ونتنياهو المعزولين، المكروهين، المنبوذين من شعوب العالم إلى الخطوة الجديدة المتخذة أي ما يسمّى “خطة ترامب لوقف الحرب في غزّة”.

صحيح أنّ معطيات كثيرة قائمة في وجه المقاومة في هذا الظرف بالذات لترهصها وتكبّلها وأوّلها الدّور القذر الذي قامت وتقوم به الأنظمة العربية والإقليمية التي اكتفت في أفضل الحالات بالتفرّج واللامبالاة فيما انخرط آخرون في دعم كيان الاحتلال حتى يمسح غزة ومقاومتها من الوجود أصلاً. كما أنّ معطيات الميدان فرضت وضعا ضاغطا بعد تمكن دبابات الاحتلال من تغطية كل القطاع تقريبا. لقد كانت مبادرة المجرم ترامب يراد منها في الأصل إعلانا للهزيمة والاستسلام وهو الذي توجه بكل صلف إلى حركة حماس كي تقبل أو ترفض في ظرف أيام معدودة بالهزمة والاستسلام والغياب عن الوجود لتخضع غزّة لنظام حماية أجنبي يرأسه ترامب نفسه بمساعدة مجرم حرب آخر، البريطاني طوني بلير، سليل بلفور صاحب الوعد المشؤوم، على أن يلعب عرب ومسلمو الخيانة والعار دور عون التنفيذ في عملية الاستيلاء على غزّة وإخضاعها.

لكن حركة حماس مسنودة بكل فصائل المقاومة والعمل الوطني ومسنودة بتجربة وخبرة طويلتين وبعدالة قضية أصبحت اليوم تهزّ الضمير الإنساني بشكل غير مسبوق، أعلنت أولا قبول المبادرة “من أجل وضع حدّ لحرب الإبادة وخروج المحتل من غزة وتبادل الأسرى وفتح المعابر أمام المساعدات الإنسانيّة والتفاوض فيما تبقّى من المسائل” كي تفوّت الفرصة على غلاة الاستعماريين في الولايات المتحدة والكيان الصهيوني وأرادت ردّ الكرة إلى ملعب المحتل الذي يعيش أزمة عميقة وشاملة بعد عامين من التدمير لم يستطع فيها، كما قلنا لا فرض التهجير ولا تحقيق استسلام المقاومة ولا استعادة رهائنه. إنّ المقاومة والشعب الفلسطيني في حاجة ماسة، من الناحية التكتيكية، الآن وهنا، إلى استعادة الأنفاس وفكّ الحصار القاتل عن غزّة لذلك نجح المفاوض الفلسطيني في انتزاع مطالب وقف الحرب وفتح المعابر ودخول المساعدات وكذلك تحرير ألفي أسير بمن فيهم قادة من الحركة الأسيرة وهو ما يشكل انتصارا سياسيا ومعنويا مهما في اللحظة الراهنة حتى وإن كان دون ما ارتأته المقاومة ومنه خاصّة خروج كامل للمحتل من غزّة فموازين القوى هي موازين القوى في الحرب كما في السياسة ومعركة التحرر مسار طويل ومعقّد تتخلله الانتصارات كما تتخلله الهزائم وأنصاف الحلول أحيانا.

أمّا الطّور الثاني الذي يهمّ مستقبل القطاع فإنّه سيكون مجال صراع ضار خاصة فيما يهمّ نزع سلاح المقاومة ودورها في إدارة غزّة. وهو أمر لن يحسم بالتفاوض بل بمعطيات الأرض والميدان والقدرة على المناورة بالإضافة إلى معطيين هامّين وهما أوّلا دور الحاضنة الشعبية التي لم ترتبك حتى الآن رغم حجم القتل والدمار وثانيا دور التضامن الإقليمي والأممي، و قد كان لهذين المعطيين أهمّية كبرى في مختلف تجارب حركات التحرر الوطني بما فيه في تجربة غزة بالذات التي ظلت منذ عقود عقدة لدى الاحتلال. إنّ صور الدقائق الأولى بعد إعلان توقف الحرب هي صور رائعة وبليغة وتحمل كل رسائل الصمود، فتحرك عشرات آلاف الغزّاويّين نحو أحيائهم وقراهم وديارهم المهدمة هي صور شعب حرّ لم تنجح ولن تنجح معه كل محاولات التأثير والشراء للتهجير. إنه شعب الجبارين الذي سيحبط كل المؤامرات مهما كانت.

هذا من جهة ومن جهة أخرى فقد صفّق حرائر العالم وأحراره لأداء المقاومة بالأمس واليوم، ومن الأكيد أنّهم سيكونون إلى جانبها وهي اليوم تخوض معارك أكثر تعقيدا سيلعب فيها الصمود والثبات فضلا عن المناورة دورا حاسما. فالصىراع مع الاحتلال مازال مفتوحاً ومستمرا وستتواصل الحروب والهدنات حتى التحرير الكامل، بل إنّ الهدنة الحالية قد يلتفّ عليها العدو وراعيه المعروفان بالغدر وبنقض كل اتفاق في أيّ لحظة وهو ما ينغي أن يقرأ له ألف حساب. كما أنّ التحدي الفلسطيني الداخلي سيكون مجددا معطى هاما ليفوّت على العدو وحلفائه فرصة استغلال الخلافات الداخليّة، وها هي المقاومة تسعى إلى جرّ سلطة رام الله إلى التقيد بالتزامات وطنية كان آخرها اتفاق بيكين الذي ينصّ على تشكيل حكومة تكنوقراط مسنودة من الكل الوطني، وهو ما سيضرب فكرة الانتداب الخارجي التي تضمنتها مبادرة ترامب. إن تنفيذ التوافق الوطني الذي تستدعيه اللحظة من شأنه تمكين الشعب الفلسطيني من الحفاظ على حدود دنيا من الاستقلالية في الوقت الذي تريد القوى الاستعمارية فضلا عن اللاعبين الإقليميين بمن فيهم وسطاء التفاوض الماكرين أصلا، وضع اليد على فلسطين شعبا وأرضا ومستقبلا. وفي كل الحالات ليس أمام رام الله خيارات كثيرة فإمّا الإذعان للمصلحة الوطنيّة وإمّا حرق آخر ما تبقّى لها من ورقات، هذا إن كان لا يزال عندها حقّا ورقات.

لقد انفتح يوم 10 أكتوبر طور جديد من كفاح الشعب الفلسطيني ومقاومته الصامدة، طور فيه عناصر قوة وفيه مؤثرات موازين القوى العالمية والإقليمية المختلة لصالح الرجعية، لكن ذلك سيكون مؤقتا وعارضا أمام إرادة الثوريبن والوطنيين الفلسطينيين الذين لم تزدهم الأوضاع الصعبة إلا تمرّسا وصمودا أصبح يتابعه العالم مباشرة بفضل وسائل الاتصال المتطورة في ذات اللحظة التي يتابع فيها وحشية كيان الاحتلال النازي. فلنتحمل مسؤوليتنا في تونس ولنواصل دعم شعب الجبارين ومقاومته ولنستثمر الفرصة لفرض تجريم التّطبيع مع الكيان النازي ولنعمل في ذات الوقت على تخليص شعبنا ووطننا من قيود الفاشية الشعبوية ليكون دعمنا لفلسطين أقوى وأعظم.

عاشت فلسطين
عاشت المقاومة
تجريم التطبيع واجب

إلى الأعلى
×