الرئيسية / أقلام / خليفة شوشان ل”صوت الشّعب”: “هكذا تفهم الجبهة الشعبيّة المعارضة”
خليفة شوشان ل”صوت الشّعب”: “هكذا تفهم الجبهة الشعبيّة المعارضة”

خليفة شوشان ل”صوت الشّعب”: “هكذا تفهم الجبهة الشعبيّة المعارضة”

شوشانهكذا تفهم الجبهة الشعبيّة المعارضة:

المعارضة ليست تكليفا أو تشريفا بل بديلا جدّيّا للسّلطة الحاكمة

لا أتصوّر أنّ الجبهة الشعبيّة بزخمها النضالي وامتدادها الجماهيري وبحجمها النيابي تحتاج إلى شهادة تثبت تزعّمها للمعارضة قولا وفعلا وتضحية وفي اعتبارها الابن الشرعي لثورة الحرية والكرامة وأكثر القوى السياسيّة التي دفعت الثمن لسنوات من أبنائها وقادتها وفي مقدمتهم الشهداء نبيل بركات والفاضل ساسي وشكري بلعيد والحاج محمد براهمي وبالمفتي والعجلاني.. سواء في المعركة ضد الدكتاتورية أو في معركة التحوّل الديمقراطي والتصدي لكل المحاولات التي أرادت من خلالها الحكومات المتعاقبة وماتزال الإجهاز النهائي على الثورة. ولعله من الغباء بمكان محاولة بعض المتهافتين سياسيا الطعن في جدارتها المعمّدة بالدمّاء.

إنّ الذاكرة الوطنيّة ورغم المحاولات الجادة لطمسها وتشويهها لا تنفكّ تسعفنا بآثار الجبهة الشعبيّة في كل المحطات النضاليّة المفصليّة في تاريخ تونس خلال كل الحقبات منذ أن كانت وجودا بالقوّة يتجسد عملا مشتركا بين مكوناتها في كل المحطات والساحات النضاليّة قبيل الثورة في النقابات والجامعات والمنظمات إلى أن تبلورت أحزابا وتنظيمات وجمعيات رسميّة بعيد الثورة حتى تحولت بإرادة وطنيّة استشرافيّة لقادتها إلى خيار اسراتيجي جسّده ائتلاف سياسي جامع ومفتوح على كلّ اللبنات الثوريّة الوطنيّة والتقدميّة تحت مسمّى “الجبهة الشعبيّة لتحقيق أهداف الثورة” التي أكدت في بيانها الأول يوم 22 سبتمبر 2012 “إن بناء جبهة شعبيّة، وطنية، ثورية هي ضرورة حتمية لتلبية طموحات شعبنا في تحقيق أهداف ثورته وهي إذ تتقدم ببديل سياسي وهياكل تنظيمية فاعلة فإنّها تمنح القوى الشعبية وحدتها ونجاعة لنضالاتها وترسم لها آفاقا على درب تحررها الوطني وانعتاقها الاجتماعي”.

كل ما تقدم يؤكد لنا أن قضيّة ما يسمّى بترؤّس المعارضة تحت قبّة البرلمان لن تكون في كل الحالات ترسيخا لحقيقة سياسية على الأرض تمحو من خلال بعض إمضاءات التزكية تاريخ الجبهة الشعبيّة، كما أنّها لن تكون مؤشرا على وجود فعالية سياسيّة ميدانيّة مثلها قادرة قولا وفعلا على التصدي للقرارات المسقطة للحكومة إلا إذا كان البعض قد تلبّستهم روح الانهزاميّة والتشاؤم فتصوروا أن المشهد السياسي القادم في البلاد سيختزله مجلس النواب لذا سارعوا إلى احتلال مواقع في المعارضة الرسميّة.

على هذا الأساس من الطبيعي جدا أن تعلن الجبهة الشعبيّة ونوابها بكل ثقة في أنفسهم وفي رصيدهم النضالي الذي راكموه أنهم الرقم الصعب وقطب الرحى في المعارضة التونسيّة، وأنّ غيرهم من المعارضين الـذين ضمتهم ورقة أمضى عليها 18 نائبا اختاروا تزكية النائب الوحيد الذي خرج به الحزب الجمهوري من الانتخابات التشريعيّة، هم في الحقيقة معارضات مفردة وثنائيّة وثلاثيّة ورباعيّة لم تنجح في تكوين سوى كتلة بـ8 نواب سميت بالكتلة الاجتماعيّة الديمقراطيّة عجزت عن ضم بقيّة شتات النواب، وأنّ ما جمعهم لم يكن تصورات وبدائل سياسية واقتصاديّة واجتماعيّة لما تطرحه حكومة الائتلاف اليميني التي لم تتأخر في مساندة مرشحهم وتقديم الفتاوى الدستورية له، فمنهم الليبرالي حد النخاع والاشتراكي الثوري والقومي والدستوري ورجل الأعمال والنقابي. لذا فإنّ يقيننا أن الممضين على وثيقة التزكية للسيد إياد الدهماني ومهما كانت المصالح السياسيّة التي جمعتهم أو جمّعوا لها، والنرجسيّة السياسيّة والأحقاد والأطماع الذاتيّة التي جعلتهم يقبلون المشاركة في أول عمليّة انقلاب على الدستور ويرتضون التوسّل بفتوى الحبيب خضر في تأويله الفصل 46 من النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب الذي عرّف المعارضة على أنها ” كل كتلة غير مشاركة في الحكومة ولم تمنح بأغلبية أعضائها ثقتها للحكومة أو لم تصوّت بأغلبية أعضائها على الثقة في مواصلة الحكومة لنشاطها”، لن يستطيعوا إقناع الرأي العام المتابع للشأن السياسي أنهم بمثل هذه الأساليب يستحقون شرف اعتبارهم معارضة جادة، فالمعارضات التي تمتهن معارضة المعارضة لن تكون إلاّ في خدمة السلطة مهما ادعت الثورية. قد تختلف قوى المعارضة وقد تتنافس حول تقديم البدائل لكن أن تتحوّل بعضها إلى خناجر للتصفية فذلك أمر لا يمكن إلاّ أن يكون خارجا عن ماهية دورها ووظيفتها النضاليّة ودليل على كونها احتياطيا لليمين الحاكم بإرادة منها أو دون إرادتها.

إن قصّة ترؤس اللجان وبقطع النظر عن أهميتها التشريعيّة وقدرتها كآليّة دستوريّة أقرها الفصل 60 من الدستور للمعارضة باعتبارها “مكوّن أساسي في مجلس نواب الشعب، لها حقوقها التي تمكنها من النهوض بمهامها في العمل النيابي، وتضمن لها تمثيلية مناسبة وفاعلة في كل هياكل المجلس وأنشطته الداخلية والخارجية، وتسند إليها وجوبا رئاسة اللّجنة المكلّفة بالماليّة وخطّة مقرّر باللّجنة المكلّفة بالعلاقات الخارجيّة. كما لها الحق في تكوين لجنة تحقيق كل سنة وترؤسها. ومن واجباتها الإسهام النشيط والبنّاء في العمل النيابي”، لن تمثّل سوى جزء من المعركة الواجبة على المعارضة التونسيّة بكل مكوناتها خوضها في مواجهة ائتلاف يميني حاكم تؤكد كل المؤشرات على انه مقدم لا محالة على اتخاذ إجراءات لا شعبيّة لطالما ردّد وزراء حكومة مهدي جمعة أو الحكومة الحالية المواصلة لنفس نهجها أنّها ستكون مؤلمة، ورغم كون هؤلاء الوزراء لم يوضحوا على من ستكون مؤلمة فإن الجميع يدرك أنها ستكون مؤلمة على الفئات الشعبيّة وعلى الطبقة الوسطى المتحللة وستكون كالعادة بردا وسلاما على الأقلية المستفيدة من خيرات البلاد وعلى المستثمرين الأجانب، وهو ما يستدعي جهوزية عالية لدى المعارضة لتأطير التحركات القادمة حتى لا تتحول إلى فوضى تجتاح البلاد وسط المخاوف المتضاعفة من التمدد الإرهابي المتحفز في الداخل والمتوثب على حدودنا والذي سيجد فيها البيئة الخصبة لمزيد التغلغل وتنفيذ أجنداتها التخريبيّة.

لكن هل يعني كل ما تقدّم أن تتنازل الجبهة الشعبيّة عن حقها الدستوري في ترؤس اللجان التي ضبطتها الفصول باعتبارها أكبر كتلة معارضة متجانسة وموحدة وأن تذعن صاغرة للتأويل الماكر والمسموم لفصول الدستور للتحايل عليها وحرمانها من حقوقها ؟ إنّ الدرس الأوّل الذي تعلمناه من تاريخ الاستبداد الطويل الذي رزينا به لعقود وسنوات طوال أنه يبتدئ خرقا للدساتير وينتهي اختراقا لجميع مفاصل الدولة وتخريبا للوعي المجتمعي واستهانة بكرامة الإنسان وتفريط في استقلال الأوطان وهو ما يستوجب سد المداخل عليه والتصدي له بكل الأساليب حتى لا يتحول إلى قاعدة. كما أن التاريخ السياسي يؤكد لنا أن القوى السياسيّة التي تتنازل عن حقوقها لا يمكن استئمانها عن حقوق المواطنين الذين تدعي الدفاع عنهم. لذا فإنه تقع على عاتق الجبهة الشعبيّة مسؤولية الدفاع عن حقها الدستوري والتصدي لكل محاولات العبث بالدستور وهي لعمري معركة أولى على درب معارك قادمة لا أظن الجبهة الشعبية ستتأخر في خوضها، فالمعارضة ليست تكليفا ولا تشريفا بل هي قوة سياسية تطرح نفسها بديلا جديا للسلطة الحاكمة.

                                             كتب ل”صوت الشّعب”:خليفة شوشان

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×