الرئيسية / صوت الثقافة / افتتاح ملتقى الوطني للإبداع الأدبي بالقيروان: رحلة البحث عن باب الغواية في مسرحية باب الشعراء
افتتاح ملتقى الوطني للإبداع الأدبي بالقيروان: رحلة البحث عن باب الغواية في مسرحية باب الشعراء

افتتاح ملتقى الوطني للإبداع الأدبي بالقيروان: رحلة البحث عن باب الغواية في مسرحية باب الشعراء

وهيبة العيدي متخرّجة من معهد الموسيقى والمسرح بالكاف

وهيبة العيدي متخرّجة من معهد الموسيقى والمسرح بالكاف

 وحده القلب يشرع أبواب الوجد أمام العاشق الوامق، وحده الضوء يفتح للعابرين سبيلا حتى لا يظلوا طريقهم إلى بابها، باب الحنين الوارف بين ثنايا أزقتها البيضاء المتعرّجة كثنايا العاشقين.وحده المسرح يفتح أبواب القول ويعبّد الطرق المؤدية إلى خفايا الشعر وخفايا القلب وأسرار المدينة..

مدينة القيروان التي احتضنت الدورة الـحادية عشرة للملتقى الوطني للإبداع الأدبي بالقيروان أيام 03 و04 و05 من شهر نيسان / أفريل الحالم بالطير..

كان المسرح فاتحة الملتقى، حين رُفع الستار على المسرحية الشعرية التي هندس نصّها الشاعر أحمد شاكر بين ضيّة وعنونها بـ”باب الشعراء” مستدعيا أجداده سكان القيروان القدامى والذي مازال منهم على قيد الحنين والشعر، من ابن رشيق القيرواني إلى منصف الوهايبي.

ضوء خافت كضوء الحنين، كعيون مجانين القيروان الذين هندسوا عوالمها الروحية وغابوا دونما سابق إنذار. ضوء يغمر الرّكح بالأحمر الآجوري وكأننا نتّكئ على سور المدينة، جسدان منتصبان في قلب الرّكح وجه وقفاه، طفل وأباه، يستجديه أن يدلّه على سرّها كي يدخلها ويشفي غليل الحب ونار الوجد المضطرم بين طيات الضلوع. لكّن، الأب عمل بالمثل الصيني وأبى أن يعطي ابنه المفتاح، مفتاح الباب واهب النشوة وسلطنة الأزقة والشوارع، وجعله يدخل تجربة البحث ومتعة التشرّد وطرق الأبواب الموصدة والمفتوحة أحيانا، البواب الحقيقية والبواب الوهمية والخاطئة أيضا. وجهان هما الممثل صالح البرجيني الذي يختزن وجه وشاربيه ولحيته البيضاء عبق الماضي، ووجه احمد شاكر بين ضيّة الشاعر الذي أخذه الوجد إلى بلاد ظنّ أنه يعرفها، فما كان لامس منها إلاّ الجدار.

في ذلك الجو المتسربل في طقوس القداسة وعطر البخور المتصاعد من زواياها، وفي رهبة رجع صدى مآذنها يجيء صوت حذامي القاسمي يدندن أذان صلاة الشعراء في محراب الغواية والنشوة، يحملنا إلى ليل ابن رشيق وهو يستجدي قدوم الغد، كأنما الساعة قد قامت. “يا ليل الصبّ متى غده / أقيام الساعة موعده”.

تخرج حذامي القاسمي كجنّية من جدار صامت لتدلّ الشاعر إلى الطريق المؤدية للباب السحري، باب الشعر أو باب العرش. لكن الشاعر مازال يدور المدينة ويراود أبوابها، كذلك الذي لم يبصر قطرة الندى المتلألئة تحت أشعة شمس الصباح أمام باب منزله.

وكجنيّة الشعر التي تلازم الشعراء وتلهمهم القول الذي يتبعه الغاوون تخرج أسماء الجلاصي لتحاول هي الأخرى الأخذ بيد الشاعر إلى مبتغاه، ظنا منها أنه شاعرها وفاتح أبواب أسرارها، لكن ما تنفكّ أن تتركه إلى حيرته وغربة بحثه الشاق عن الباب السرّي، “باب الشعراء”.

ليس بالشعر وحده ولا بالغناء يمكن أن نلامس عبق المدينة وسحرها بل بالرقص أيضا.. ففي ساعة فقدان الشاعر للأمل يخرج الحلم من راقصة تأخذه في عالم من الحركة والدوران والفتنة إلى المرجو المخفي، لكن جهودها باءت بالفشل، لأن الشاعر مازال لم يبصر بعد، مازال ضوء البصيرة شحيح وذاوي في قلبه لم يشتعل بعد..

عندها يرتجف قلب الأب ليدلّه عليها وعلى أسرارها ومكامن فتنتها والطريق الذي يؤدّي إلى ما خفي منها وما ظهر. يصرخ صالح البرجيني في وجه أحمد شاكر: “لقد طرقت كل الأبواب ولم تظفر بشيء، هناك باب واحد لم تكرف يا ولدي هو باب قلبك”.

فالقلب مفتاح المدينة وقفلها، متى أغلقته أوصدت دونك ومتى فتحته تفتّحت أمامك أبواب المدينة وأبواب الغواية والشّعر.

فقط لو أن الشاعر ترك مكانه لممثل واكتفى بكتابة النص وبقراءتة، فللمسرح وللمثل ما ليس للشعراء.

   وهيبة العيدي

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×