الرئيسية / أقلام / خطاب مزدوج، مواقف مضطربة وهروب إلى الأمام: منظومة الحكم مرتبكة!
خطاب مزدوج، مواقف مضطربة وهروب إلى الأمام: منظومة الحكم مرتبكة!

خطاب مزدوج، مواقف مضطربة وهروب إلى الأمام: منظومة الحكم مرتبكة!

%d9%82%d9%82توهّم البعض في وقت من الأوقات وخصوصا عند تبرير إرساء منظومة حكم 2014 التي خلفت منظومة 2011، أن التوافق والانسجام والتكامل والتشارك بين اليمين بشقّيه الملتحف بعباءة الدين من جهة والمتستّر بكسوة الحداثة من جهة أخرى، خيار ممكن بل هو الخيار الأنسب لتونس في ظلّ الأوضاع الوطنية والإقليمية والدّولية الرّاهنة، والأجدر كذلك بإدارة الشأن العام، ولم لا تحقيق أهداف الثورة!

وبمرور الأيام، اشترك الطرفان، أو بالأحرى “الشقّان” بما أننا في زمن الشقوق الحزبية، في الحكم في نسخة رباعية في مرحلة أولى ثم نسخة معدّلة أوسع بعنوان الوحدة الوطنية في مرحلة ثانية لكنهما لم يلتقيا بعد حول منجز يغيّر حياة التونسيين والتونسيات نحو الأفضل ويشعرهم بالفعل أنهم صنعوا ملحمة 17 ديسمبر 2010-14 جانفي 2011.

22

هذا الواقع المتأزّم والفشل الذريع لا ينكره الائتلاف اليميني الحاكم الذي يروّج مطلع العام الجديد 2017 لمقولة “الإقلاع” مستندا ببساطة إلى المؤشرات الطبيعية ونزول الغيث قبل أيام وإلى وعود جناها بمناسبة مؤتمر الاستثمار نهاية نوفمبر المنقضي إلى جانب دور الإخوة الجزائريين في تحريك عجلة اقتصادنا ومجيئ بعض السّياح التقليديين.

التفاؤل مشروع، لكن ليس بعد انقضاء سنتين كاملتين من الولاية الانتخابية، وهما أيضا سنتان من عمر المخطّط الخماسي الذي لم ينطلق بعد ويفترض أن ينتهي في أفق 2020، أضف إلى ذلك متغيّرات الأوضاع الإقليمية والدولية التي بدأت في خلط الأوراق ويتوجّب أن يقرأ لها ألف حساب.

إن المسألة ليست تقنية أو إجرائية بسيطة بل هي سياسية بامتياز، شائكة ومعقّدة لذلك فإن التخوّف مشروع من أداء الائتلاف الحاكم اليميني المجمّل بوجوه نقابية قديمة وأخرى حزبية منحدرة من اليسار… هذا الائتلاف صارت مواقفه مريبة وخطابه مزدوج، “ثلاثي” وحتى “رباعي” كما قال البعض وهو فوق كل ذلك مصرّ على الهروب إلى الأمام.

022

ويبدو أنه من بين “فضائل” وحسنات التوافق مرور عدوى الخطاب المزدوج الذي اشتهرت به قيادات النهضة إلى إخوتهم في نداء تونس أو ما تبقى منه على الأقل. فهذه الأيام، وبمناسبة اغتيال الشهيد محمد الزواري عاد الحديث عن الموقف من القضية الفلسطينية والتطبيع مع الكيان الصهيوني. ونظرا لما يقتضيه الظرف من تعبئة وتناغم مع الرأي العام انخرط الجميع فيما دعت إليه الجبهة الشعبية سابقا من ضرورة إصدار قانون يجرّم التطبيع، وبلغ الأمر بنواب نداء تونس درجة التقاط الصور التذكارية تحت قبّة المجلس أمام لافتة كتب عليها بالبنط العريض ‘لا للتطبيع”، لكن المفاجأة حصلت عندما وجّهت كتلة الجبهة رسميا طلبا للجنة الحقوق والحريات باستعجال النظر في مشروع القانون جوبه وقتها طلب منح الأولوية بالتجاهل، رغم أن جلّ الكتل طالبت بالتّسريع بتجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني خلال تلك الجلسة العامّة المشهودة التي خصّصت للحوار مع وزيري الداخلية والخارجية حول جريمة الاغتيال..

الخطاب المزدوج طال أيضا موضوع الإرهابيين العائدين مما يسمّى بؤر التوتر، والازدواجية تعود في تقديرنا إلى حالة الإرباك التي عليها شقّا الائتلاف الحاكم الرئيسيان. فالنهضة يربكها الإرهاب وخصوصا “ازدهار” هذه الآفة في عهدها غير المأسوف عليه عندما حرّض لفيف من أتباعها وقادتها على تسفير شبابنا والزجّ بهم في أتون الحروب العبثية تحت راية “الجهاد”. أمّا الندائيون فهم في وضع لا يحسدون عليه، متوافقون اليوم بالقوّة مع النهضة التي أسّسوا حزبهم لمعارضتها وتحميلها مسؤولية ما آلت إليه البلاد من عنف وإرهاب واغتيالات طالت أحد أبناء النداء.

ومرة أخرى يرفع الندائيون لوحاتهم بشعار “لا لعودة الإرهابيين” نكاية في النهضة ربّما، لكن استرضاء للتونسيين ولـ”حراير” تونس بالذات اللاّتي أعطين أصواتهن للنداء. لكن سرعان ما برزت القراءات “الهادئة” والمتوافقة مع النهضة والقائلة بأن العودة حق والجنسية حق إلى أن يأتي ما يخالف ذلك.

وحتى إن سلّمنا بذلك، فالسؤال يطرح بإلحاح حول التضارب في الأرقام والمعطيات حول من عاد ومن لم يعد بعد، وحول من حوكم وسجن أو هو في حالة رقابة إدارية أو جبرية، والأهم موقف الأطراف والدول الأجنبية المعنيّة والمورّطة في الموضوع برمّته؟

033

لقد تحدّث رئيس الحكومة، وهو ندائي كما نعلم ورئيس لجنة الـ 13 التي هندست مؤتمر سوسة للحزب، عن 800 من العائدين، رقم صوّبه رئيس الجمهورية وقال أنه 900… نفس الشيء بالنسبة إلى نزلاء السجون حيث يقول وزير العدل أنهم 160 فقط ويقول وزير الداخلية 198.. وحتى موضوع السّجن الجديد في إحدى مدن الشمال الغربي فإنجازه من عدمه محلّ شكّ ويقين..

إن اللافت في تقديرنا هو الانتقال من الحديث عن مبدأ عودة الإرهابيين من عدمه إلى ظروف وتفاصيل العودة والاستقبال والتبشير بأن الإرهابيين “كنوز” تساعد في كشف حقيقة من سفّرهم.

0331

ومرّة أخرى تُثار فزّاعة صورة تونس في الخارج وكيف لها أن ترفض استقبال أبنائها ولو كانوا “لحما نتنا” في مخالفة للقانون الدولي ومبادئ حقوق الإنسان. والمؤسف أن السؤال الغائب أو المغيّب عن قصد في أذهان ومنطوق الائتلاف الحاكم هو مسؤولية الأطراف الدولية وتحديدا الدول التي سنناقش معها وسنرتّب معها عودة الإرهابيين، والحال أنها محلّ شبهة في استقطابهم. فهل رتّبنا معا قبل ثلاث أو أربع سنوات موضوع تسفيرهم وتسلحيهم وتدريبهم لتدمير سوريا وليبيا والعراق وغيرها حتى نتقاسم أعباءهم اليوم وربما نتحمّلها بمفردنا؟ وحدها الحقيقة، يمكن على أساسها إرساء منظومة حكم وبناء حكم يستجيب لتطلعات الشعب.

“صوت الشعب”: العدد 227 

مراد علالة

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×