الرئيسية / منظمات / أخبار / الإجراءات الاجتماعيّة الاستثنائيّة والمعادلة الصّعبة في زمن “الكورونا”
الإجراءات الاجتماعيّة الاستثنائيّة والمعادلة الصّعبة في زمن “الكورونا”

الإجراءات الاجتماعيّة الاستثنائيّة والمعادلة الصّعبة في زمن “الكورونا”

منذ أن تمّ الإعلان عن منع الجولان وقرار الحجر الصحي العام وقرار تعليق العمل الحضوري بداية من يوم الإثنين 23 مارس 2020 بجميع مصالح الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية والمؤسسات والمنشآت العمومية باستثناء المصالح الأساسية التي تُقدّم خدمات حيوية وضرورية، اتّخذت الحكومة جملة من القرارات الاجتماعية الموجّهة لعديد الفئات الاجتماعية نذكر منها بالأساس ما يتعلق بضمان نفاذ أكثر من 250 ألف منتفع بالمنح القارة والعلاج المجاني لمساعدة بقيمة 50د وما يقارب 623 ألف حامل لبطاقة علاج بالتعريفة المنخفضة، إضافة إلى عدد مهمّ من الكافلين لأشخاص ذوي إعاقة ومسنّين وأطفال فاقدين للسند للتمتع بمساعدة استثنائية بقيمة 200د. إلى جانب إجراءات ستشمل العمّال الذين أُحيلوا على البطالة الفنية الاجبارية بموجب توقّف نشاط مؤسّساتهم وإجراءات مرتقبة للفئات غير المشمولة بأيّ صنف من التغطية الاجتماعية من العملة العرضيّين الذين يكدحون لتأمين قوتهم في مهن وأنشطة هامشية وغير منظمة.

لقد استوجبت هذه الإجراءات التزاما وانخراطا طوعيّا من الأخصّائيّين الاجتماعيّين بالعمل في ظروف استثنائية من أجل تهيئة وتحيين قاعدة البيانات في آجال قياسيّة بما يساعد على صرف المساعدات المذكورة وفق الآجال التي تمّ ضبطها ببلاغ وزارة الشؤون الاجتماعيّة الصادر بتاريخ 30 مارس 2020.

وفي قراءة لسلّة الإجراءات التي تمّ اتّخاذها أجمع كلّ الخبراء المهتمّين بالشأن الاقتصادي أنّ عديد المؤسسات استغلّت حالة الارتباك وحقّقت مكاسب غير مبرّرة شملت إعفاءات ضريبيّة وتسهيلات ودعم تحت عنوان مجابهة تداعيات الأزمة والمحافظة على استقرار وتوازن المؤسسة، في الوقت الذي كانت الأوضاع الاجتماعية والوضع الاستثنائي يقتضي حلولا مغايرة تعطي الأولوية لدعم القطاع الصحي العمومي بصفة عاجلة لضمان التعبئة العامة وفاعلية خطط الطوارئ لإسناد الإطار الطبي وشبه الطبي الذي يسابق الزمن من أجل توفير أفضل الظروف للتوقّي من فيروس كورونا ومحاصرة هذا الوباء، وإعطاء الأولوية أيضا لتزويد السوق بالمواد الأساسية ومراقبة الأسعار ومسالك التوزيع وخاصة بالمناطق النائية وتشديد الرقابة على المحتكرين والاستجابة لحاجيات الفئات الهشة والأشد فقرا عبر حزمة من الإجراءات لا تنحصر في مساعدة مالية محدودة بل تشمل إعفاءات من بعض الأعباء مثل استهلاك الماء والكهرباء ومنحة تعديلية لمواجهة نفقات الكراء إلى حين تجاوز هذه الأزمة.

 المقاربة الخاطئة للحكومة فاقمت الأزمة بتسريع انتشار الوباء

اعتمدت الحكومة مقاربة التدرّج في تطبيق الإجراءات الاجتماعية والصحية والاقتصادية. وكان في حسبانها أن يقع احتواء فيروس “كورونا” قبل تخطّي المرحلة الثالثة من انتشار الوباء. وقد ساعد هذا التمشّي على تحقيق أنصاف حلول فقط، لم تقدر على فرض الالتزام بالحجر الصحي الشامل ولم تقدّم رسالة طمأنة للفئات الهشة بأنّ الدولة بأجهزتها ستحميهم من الجوع على امتداد فترة الحجر والتعطّل شبه التام للأنشطة الصناعية والفلاحية والتجارية وقطاع الخدمات خاصة ولم تنجح في محاصرة الوباء. وقد اجتمعت هذه العوامل لتشكّل مناخا متوترا على جميع المستويات ومزيدا من الارتباك في تنفيذ الإجراءات الاجتماعية وفي استيعاب ردود الفعل المتفرقة والتي في طريقها للتصاعد وآخرها ما حدث يوم 30 مارس 2020 بالمنيهلة على خلفية تأخير صرف المساعدات وتقلص منسوب الثقة المهتز أصلا.

وكان حريّ بالرئاسات الثلاث منذ البداية اتخاذ قرارات صارمة في اتجاه فرض الالتزام الشامل بالحجر الصحي العام باستثناء القطاعات الحيوية الضرورية ومرافقته بخطة طوارئ يمكن تنفيذها عبر الأجهزة العسكرية والأمنية معززين بالقطاعات الفنية في المجال الصحي والاجتماعي والمجتمع المدني، تعتمد على استهداف الوضعيات الاجتماعية الهشة بشكل مباشر يتمّ خلالها تقديم مساعدات في المستوى وتشخيص منسوب العدوى ومصدرها. وبهذا الإجراء نسمح للجهات المختصّة بالتحكّم في العائدين من الدول الموبوءة وإعداد خطط الطوارئ المطلوبة في القطاع الصحي. وحينها يصبح التعامل مع الوباء والأوضاع عامة في اتجاه تخفيف الإجراءات وليس العكس كما يحدث حاليا .

ونتيجة هذا التمشي الخاطئ وأنصاف الحلول وطول مدة الحجر وضعف الالتزام واستهتار البعض أصبح الاحتقان الاجتماعي عنوانا جديدا يفاقم من الأزمة الصحية والاجتماعية. وبدأت مظاهره بارزة من خلال مشاهد التجمهر اليومي أمام مقرات البريد والشؤون الاجتماعية والسلط المحلية .

إلى أي مدى يمكن أن نضمن التوازن بين مخاطر الانتشار الأفقي للوباء وحقوق الفئات الهشة؟

ليس هناك أدنى شكّ أنّ المواطن التونسي الذي تملّكه الخوف من الجوع إلى جانب الخوف من “الكورونا” سيجد نفسه بين خيارين. الخيار الأوّل هو الالتزام بمقتضيات الحجر الصحي وإجراءات التوقّي والتكيّف مع الأزمة. وهذا الخيار يفرضه القانون شكليا. لكنّ القانون لن يفرض على المواطن الخيار الثاني وهو خيار الجوع. وهو ما دفع بفئات واسعة مواجهة مخاطر كسر الحجر الصحي والخروج إلى الشارع والتجمهر. وهو ما يطرح التعجيل بتوزيع المساعدات المعلنة والتركيز لاحقا على الفئات التي لم تشملها الإجراءات. وهذا التعجيل يصطدم بمخاطر تسريع الانتشار الأفقي للوباء في هذه المرحلة التي يقدّرها القطاع الصحي بالحسّاسة.

وهذه المخاطر تشمل المواطن ذاته وأعوان البريد والقطاع الصحي، باعتبارهم في الخط الأمامي، والمجتمع برمته لأنّ الكلفة ستكون خيالية في النفقات وفي الأرواح.

وهو ما يتطلب تجنيد كل القوى في الميدان لضمان توزيع المساعدات التي ستُصرف عبر مراكز البريد بشكل منظم وسريع يحقق للفئات الهشة جزءً من احتياجاتها بما يساعد على الصمود في مواجهة الحجر الصحي لفترة قادمة لا أحد يتحكم فيها.

وبصفة موازية تقع على عاتق الحكومة تلبية احتياجات الوضعيات الاستعجالية التي يتمّ رصدها عبر كلّ المتدخّلين على الميدان ولا سيما المجتمع المدني. وهو ما يستوجب إعداد خطة طوارئ اجتماعية على نفس القدر من الأهمية مع خطة الطوارئ الصحية، ومرافقة هذه الخطة بتطوير العملية الاتصالية وتسهيل نفاذ المحتاجين إلى الخدمات الضرورية.

وهذه المقاربة في الاستهداف عن قرب تحتاج إلى إجراءات فعلية في مراقبة المضاربات والاحتكار وتسليط أقصى العقوبات وإلزام المؤسسات التي استفادت من طفرة الإنتاج والتوزيع إلى المساهمة في تمويل احتياجات الفئات الأشدّ فقرا والفئات التي تضرّرت جرّاء توقّف الإنتاج. وهي فرصة للحكومة للقبول بالمقترحات التي اقترحتها الأحزاب التقدمية، وعلى رأسهم حزب العمال، ومنها الضريبة التصاعدية على الثروات الكبرى وتعليق الديون لمدة 3 سنوات، والتركيز على تحقيق التوازن في توزيع المواد الغذائية وضمان وصولها إلى المناطق التي تفتقد إلى المتاجر والمساحات الكبرى ومؤسسات الإنتاج.

سمر بن عبد الله

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×