الرئيسية / ملفات / 1 ماي / اليوم العالمي للعمّال: معايير العمل الدّوليّة بين ضعف التّصديق وانعدام التّطبيق
اليوم العالمي للعمّال: معايير العمل الدّوليّة بين ضعف التّصديق وانعدام التّطبيق

اليوم العالمي للعمّال: معايير العمل الدّوليّة بين ضعف التّصديق وانعدام التّطبيق

محمد صابر الحجري
كاتب عام مساعد الجامعة العامة للتعليم الأساسي

يحتفي عاملات وعمال العالم هذه السنة باليوم العالمي للعمال في ظلّ الوضع الصحي الاستثنائي الذي يجتاح العالم.

عيد العمّال زمن “الكورونا”:

ذكرى هذه السّنة جاءت حُبْلى بالتناقضات، إذ أنّ حقوق الطبقة العاملة، التي كانت نتاجا لتضحيات معمّدة بالدماء على مرّ العصور، باتت تشهد انتكاسة ومحاولات التفافٍ وتراجع في ظل الحجر الصحي الذي قرّرته أغلب دول العالم، وهو ما يتهدّد ما بين 70 مليون و100 مليون عامل وعاملة بفقدان مواطن عملهم حسب تقرير لمنظمة العمل الدولية إضافة إلى حرمان مئات الآلاف من العمّال من أجورهم أو جزء منها.

مرّت على مذبحة هاي ماركت في شيكاغو 134 سنة (ماي 1886) حين رفع العمال شعار “8 ساعات عمل، 8 ساعات نوم، 8 ساعات فراغ للراحة والاستمتاع” للمطالبة بيوم عمل مدّته ثماني ساعات في إضراب جُوبِه بالرصاص والقمع والمحاكمات الجائرة ليتمّ فيما بعد اعتماد غرة ماي عيدا رسميا للعمّال احتفاء بالإنجازات الاجتماعية والاقتصادية للحركة العمالية في أغلب دول العالم ما عدا بعضها على غرار السعودية وعُمان وأفغانستان…

وفي ظلّ تطوّر وعي الطبقة العاملة وتنامي صراعها مع الأعراف خاصة مع انتشار فكرة التنظّم في منظمات وكيانات نقابية، يبدو أنّ الرأسمالية أحسّت بخطر هذه القوة الصاعدة التي تهدّد وجودها وأقضّت مضْجعها، ومع تأكّدها أنّ القمع وحده غير قادر على احتواء نضالات الطبقة العاملة ومطالبتها المتواصلة بفرض حقوقها لجأت إلى تكوين منظمة دولية.

منظّمة العمل الدّوليّة: إصلاحيّة رغم “نُبل الأهداف”

ولعل تأسيس منظمة العمل الدولية سنة 1919 كجزء من معاهدة فرساي التي أنهت الحرب العالمية الأولى هي محاولة لاحتواء نضالات الطبقة العاملة عبر مأسستها وخنقها بمعاهدات وصكوك دولية خاصة في ظل التركيبة الثلاثية لهذه المنظمة (أعراف، حكومات، ممثلي عمال)، إذ أنّ هذه التّركيبة تضع ممثلي العمال الذين يمثلون الثلث في موازنة ضعيفة في مواجهة الثلثين (أعراف وحكومات) إذا اعتبرنا أنّ أغلب الحكومات هي مُؤجِّر وسياساتها معادية للعمال وتدين بالولاء للرأسمالية. واليوم تضمّ منظمة العمل الدولية ممثلي أصحاب العمل والعمّال والحكومات لـ187 دولة.

وبهذه التركيبة والأهداف فإنّ هذه المنظمة إصلاحيّة بامتياز، غايتها كبْح جِماح نضالات الطبقة العاملة، وهو ما يؤكّده حصولها على جائرة نوبل للسلام سنة 1969 “لتحسين السّلام بين الطبقات” وعجزها على فرض عقوبات على الحكومات التي لا تحترم تعهّداتها.
وتهدف منظمة العمل الدولية (حسب دستورها) إلى تحقيق العمل اللاّئق عبر أربعة أهداف استراتيجيّة من خلال احترام المبادئ والحقوق الأساسية في العمل ومعايير العمل الدولية، تعزيز الحوار الاجتماعي، إيجاد فرص العمل وضمان الأجور والحماية والضّمان الاجتماعي، وضمان المفاوضات الثلاثية (أعراف، عمال، حكومة) بالإضافة إلى احترام معايير العمل الدولية التي تصدر في شكل اتفاقيات تصادق عليها الدول أو توصيات غير ملزمة أو إعلانات (إعلان فيلادلفيا، إعلان 1998، إعلان 2008).

وقد أصدرت منظمة العمل الدولية إلى حدود سنة 2019، 190 اتفاقية آخرها تتعلق بالقضاء على العنف والتحرّش في عالم العمل. وتوزّع اتفاقيات منظمة العمل الدولية إلى ثلاثة أصناف:

ـ اتفاقيات أساسية وعددها 8 (87ـ 98ـ 29ـ 105ـ 100ـ 111ـ 138ـ 182) وهي اتفاقيات ملزمة لكل الدول الأعضاء سواء أكانت قد صادقت عليها أم لم تصادق.
ـ اتفاقيات الحوْكمة وعددها 4 وهي اتفاقيات ذات أولوية.
ـ اتفاقيات فنّية وعددها 178 اتفاقية تغطّي المجالات والمواضيع المتّصلة بظروف العمل والعلاقات المهنية والحماية الاجتماعية.

أمّا التّوصيات فهي لا تتطلب المصادقة عليها وليس لها صبغة إلزامية وتتضمّن توجيهات وإرشادات عن كيفية تطبيق الاتفاقيات أو معايير مكمّلة أو توجيهات عامة حول السياسات الوطنية في المجال الاجتماعي. وبلغ عدد توصيات منظمة العمل الدولية 206 إلى حدود سنة 2019.

تونس: ضعف التّصديق وانعدام التّطبيق:

ومن بين 190 اتفاقية صادقت الجمهورية التونسية على 63 اتفاقية (8 أساسية و3 اتفاقيات حَوْكمة و52 اتفاقية فنية) من أهمها الاتفاقيات عدد 29 و105 و135 و89 و87 و100 و182 و144 و151 و154… ورغم ضعف مصادقة تونس على اتفاقيات منظّمة العمل الدولية، فهي قد صادقت على أهم الاتفاقيات.

غير أنّ القانون المحلي التونسي ظلّ غير مواكب لما ورد في المعايير الدولية للعمل من خلال عدم تطابقه مع الاتفاقيات الدولية الذي يبرز عبر عدّة مظاهر لعل أهمها يكمن في عدم التلاؤم في مجال شروط العمل اللائق وغياب نصّ عام صلب مجلة الشغل يقرّ بصفة صريحة مبدأ عدم الميز في مجال العمل طِبقا لما تقرّه معايير العمل الدولية للعمل وخاصة منها الاتفاقية عدد111. إضافة إلى عدم تكريس مبدأ المساواة في الأجر عند تساوي قيمة العمل وخاصّة منها الاتفاقية رقم 100، ولنا في ملف المتعاقدين في التعليم الأساسي والتعليم الثانوي وخرّيجي الإجازة التطبيقية في التربية والتعليم خير مثال.

كما أنّ صمت مجلّة الشغل عن تجريم المُتاجرة باليد العاملة باعتبارها تتنافى مع مبادئ العمل اللائق وأهمّها الإقرار بأنّ العمل ليس سلعة طبقا لدستور منظمة العمل الدولية، وهو ما شجّع على انتشار شركات المناولة في تونس.

وبخصوص المرأة، فإنّ أحكام الاتفاقية رقم 183 تنصّ على حقّ المرأة العاملة في إجازة أُمومة لا تقِلُّ عن 14 أسبوعا، في حين أنّ مجلة الشغل تكتفي بإقرار الحقّ في إجازة بـ30 يوما فقط وفي الوظيفة العمومية شهرين بكامل الأجر و4 أشهر بنصف الأجر.

وفي مجال تشغيل الأطفال وفي علاقة بالاتفاقية رقم 138 بشأن تحديد السّن الأدنى لتشغيل الأطفال فإنّ الاستثناءات الموسّعة فيها غير مطابقة للمعايير الدولية إضافة إلى غياب مفهوم واضح ودقيق لأسوأ أشكال عمل الأطفال.

أمّا بالنسبة إلى الأجور فإنّ القانون التونسي يفتقر لمعايير موضوعية تأخذ بعين الاعتبار الحاجات الأساسية للعمّال، إضافة إلى غياب حماية فاعلة لغياب مؤسسة ضمان تكفل حماية الأجور في صورة عجز المؤسسة عن الدفع (ولعلّ أزمة كورونا كشفت الحاجة إلى هذه الآليّة)، إضافة إلى غياب مفهوم المساواة في الأجْر عن كلّ عمل ذي قيمة مساوية.

دور النّقابات في فرض تطبيق معايير العمل الدّوليّة :

وأمام حجم التضارب وعدم التطابق بين القانون التونسي ومعايير العمل الدولية، فإنّ المسؤولية ملقاة بدرجة أولى على عاتق النقابات التي يتوجّب عليها الإلْمام بهذه المعايير ورصْد مدى التزام المؤجّر بها وإعداد تقارير حينيّة ودوريّة حول الخروقات التي يتمّ تجميعها لتُرفع إلى مكتب منظمة العمل الدولية من خلال إجراء تقديم الشّكاوى التي تُرفع إلى لجنة الخبراء في منظمة العمل الدولية والتي بدورها توجّه للحكومات تعليقات وملاحظات وطلبات تتعلّق بمدى احترام معايير العمل الدوليّة ومدى الالتزام بتطبيق الاتفاقيات .إلاّ أنّ هذا التمشّي لا يجب أن يلغي النضال العمالي.

كلّ هذا يفرض على النقابات إيلاء الجانب التّرتيبي الأهمية التي يستحقّها إضافة إلى المطالب المهنيّة وضرورة فرض تطبيق شروط الصحّة والسلامة المهنيّة وشروط العمل اللاّئق إضافة إلى فرض ممارسة الحق النقابي والحقّ في المفاوضة الجماعية والنضال اليومي من أجل فرض احترام المعايير الدولية للعمل.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×