الرئيسية / صوت الوطن / وعود “الكورونا” المدهونة بتوجّهات ميزانية 2021، حكومة تفضح نفسها بنفسها
وعود “الكورونا” المدهونة بتوجّهات ميزانية 2021، حكومة تفضح نفسها بنفسها

وعود “الكورونا” المدهونة بتوجّهات ميزانية 2021، حكومة تفضح نفسها بنفسها

حبيب الزموري

لم يتأخر الائتلاف الحاكم كثيرا ليتعرّى أمامنا حجم التضليل والتزييف الذي مارسه منذ خيّم شبح “الكورونا” على بلادنا. إذ سرعان ما تهاوت وعود مراجعة الأولويات التنموية وإعادة الاعتبار للقطاعات الاستراتيجية والخدمات الاجتماعية التي كشفت الأزمة الوبائية مدى ضعفها وهشاشتها أمام أوّل اختبار عملي أمام الائتلاف الحاكم. ولئن كانت توجهات هذه الحكومة واضحة من خلال التوزيع اللاّمتكافئ للاعتمادات المالية الاستثنائية التي خصصتها لواجهة الأزمة فإنّ الوقائع تؤكّد أنّ أقلية رأسمالية انتفعت من جلّ الاعتمادات وكان نصيب الأغلبية الفتات.

وقد كانت التوصيات التي أرسلها رئيس الحكومة لأعضاء حكومته في منشور بتاريخ 14 ماي الجاري كفيلة بنزع آخر أوراق التوت عن حكومة إلياس الفخفاخ والأطراف المكونة لها، وبكشف حجم الكذب والتضليل والمتاجرة بمعاناة التونسيين والتونسيات خلال الأزمة بتقديم الوعود الفضفاضة من قبيل:

– مراجعة المنوال التنموي وإعطاء الأولوية للتنمية الاجتماعية.
– مراجعة سياسات التنمية في القطاعات الاستراتيجية وفي مقدمتها الفلاحة والصناعة.
– وضع خطة وطنية لدعم البحث العلمي والتجديد التكنولوجي.
– إعادة الاعتبار للقطاع العام ولا سيما في الصحة والتعليم.
– سن خطة تشغيل تحفظ كرامة التونسيين والتونسيات المعطلين عن العمل.

… وغيرها من الوعود الزائفة التي وردت على لسان أكثر من عضو من أعضاء الائتلاف الحاكم الحالي، ممّا يبرز حجم الاستهتار بتطلعات الشعب التونسي وفي الآن نفسه حجم العجز والتبعية التي تجعل من رئيس الحكومة وأعضاء حكومته لا يملكون من أمرهم سوى ألسنتهم التي تغزل الكلام وتسوقه على مدار الساعة. فمع أوّل اختبار حقيقي على أرض الواقع تنكشف السياسات والإجراءات الفعلية التي يحاولون تمريرها دون امتلاك جرأة تفصيلها للتونسيين ولا الإعلان عن مصدر القرار الحقيقي الذي يسطّر لهذه الحكومة سياساتها وإجراءاتها. وهو ما انكشف بالفعل في المنشور المذكور أعلاه. فمن أبرز ما جاء فيه:

– الوقوف على وضعية المؤسسات والمنشآت العمومية واتخاذ قرار في شأنها (لاحظ أسلوب المخاتلة والعجز عن إعلان طبيعة القرار الذي أصبح في علم القاصي والداني)
– مواصلة تنفيذ الإصلاحات الهيكلية الكبرى
– التحكم في كتلة الأجور والنزول بها إلى نسب معقولة
– عدم إقرار انتدابات جديدة لسنة 2021
– إرجاء برامج التكوين بهدف الانتدابات الجديدة إلى 2022
– عدم إمضاء أيّ اتفاق مع أيّ طرف أو اتخاذ أيّ قرار له انعكاس مالي دون الرجوع إلى رئاسة الحكومة.
– عدم تعويض الشغورات وإعادة توظيف الموارد البشرية
– تأجيل الترقيات إلى سنة 2022
– ترشيد منحة الإنتاج والتحكم فيها
– عدم خلاص الساعات الإضافية (بخلاف الدفاع والداخلية والصحة ورئاسة الجمهورية)

إنّ هذه التوصيات تعطي الانطباع أنها صادرة عن رئيس مجلس إدارة شركة ربحية وليس عن رئيس حكومة. فكلّها توصيات تسعى إلى الضغط على المصاريف ولو على حساب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للموظفين والأجراء بل ولعموم التونسيين والتونسيات. فتجميد الانتدابات من شأنه الترفيع في نسب البطالة، والواهم فقط من ينتظر من الرأسمال الخاص القيام بالواجب الذي تخلت الدولة عن القيام به. بل إنّ الجرائم التي ارتكبتها البورجوازية في حقّ العمال في تونس إبّان أزمة الكورونا ستبقى وصمة عار تلاحقها طيلة تاريخها وتكشف أنّ السلوك الاجتماعي والسياسي لهذه الطبقة في تونس وفي العالم سيكون أكثر شراسة خلال مرحلة ما بعد الكورونا.

إنّ ارتفاع نسبة البطالة والضغط على كتلة الأجور سواء بوقف الانتدابات أو بتأجيل دفع المستحقات المالية للموظفين والأجراء، زيادة عن وضاعته الأخلاقية في سياق ما انفكت فيه الحكومة تغدق المساعدات والتسهيلات على أصحاب رأس المال، فإنه سيصيب الاستهلاك الداخلي بالجمود رغم كونه أهم محرك لعجلة الإنتاج الاقتصادي رغم ما تعانيه من إغراق السوق الداخلية بالسلع المهربة.

أمّا فيما يخص الإصلاحات الهيكلية الكبرى فإنها تعني بكل بساطة المضيّ قدما في إلحاق الاقتصاد التونسي بالاقتصاد الرأسمالي العالمي عبر الاتفاقيات الجائرة التي نبّه إلى خطورتها العشرات من الخبراء الاقتصاديين والأحزاب والمنظمات الوطنية. فكل المؤشرات تدلّ أنّ قسما من مخططات تجاوز الأزمة في المراكز الرأسمالية الكبرى في العالم يمرّ عبر مزيد استغلال الأسواق الرأسمالية التابعة. ويبدو أنّ إلياس الفخفاخ وفريقه الحكومي على أتم الاستعداد، شأنهم شأن من سبقهم، لتولّي مهمة تصريف مصالح تلك المراكز الرأسمالية الكبرى وهو من كان سبّاقا منذ 2012 بإعلان نواياه لصندوق النقد الدولي في ظل حكومة الترويكا.

بعيدا عن الخطابات الخشبية الملتحفة بالشرعية وصناديق الاقتراع التي حنّطت المسألة الديموقراطية في مستنقع الفساد فإنّ هذه الحكومة بمثل هذه السياسات والإجراءات لا تحتاج إلى من يسقطها، فهي حكومة ساقطة أخلاقيا وسياسيا بممارستها لشتى أصناف التضليل والسمسرة بمشاعر التونسيين في مثل هذه الظرفية القاسية التي يمرون بها.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×