الرئيسية / صوت الوطن / حكومة الفصل الأخير من الالتفاف على المسار الثّوري
حكومة الفصل الأخير من الالتفاف على المسار الثّوري

حكومة الفصل الأخير من الالتفاف على المسار الثّوري

علي البعزاوي

تعود تونس تدريجيا وكنتيجة حتمية لمسار طويل من مساعي الالتفاف على ثورة الحرية والكرامة وعلى طموحات ومطالب الشعب التونسي بأغلب طبقاته وفئاته إلى مربع القمع والتّأطير الأمني الذي دأب عليه النظام القديم باعتباره الأسلوب الوحيد والأنجع لكبح جماح قوى التغيير وسد الباب أمام أي إمكانية للمساس بمصالح البورجوازية الكمبرادورية المحلية وكبرى الشركات والمؤسسات والدول الامبريالية التي تهيمن على بلادنا وتستنزف مقدّراتها وتستغل قوة عمل الشغيلة المحلية.
العنف كآليّة لحسم الصّراعات

ما حصل في شارع الحبيب بورقيبة يوم السبت 12 جوان وقبله في سيدي حسين هو تتويج وتطوير لحلقات سابقة من سلسلة أعمال القمع والإيقافات والمحاكمات الجائرة لمئات النشطاء الشباب بمناسبة ذكرى الثورة وقبلها. وهو يؤكّد أنّ الحكم دخل مرحلة جديدة مختلفة عن المرحلة السابقة التي لم تخلُ لا محالة من محاولات القمع لكنها لم تكن بهذه الحدة وهذا التصميم.

العنف أصبح ممارسة مألوفة تتمّ داخل أسوار البرلمان حيث تابع النظارة في عديد المناسبات ألوانا من العنف اللفظي والمادي. وفي لقاءات أطراف الحكم المتصارعة بلا انقطاع وفي وسائل الإعلام وفي الشارع وعبر وسائل التواصل الاجتماعي حيث تتجند جيوش من الذباب المأجور لشن حملات القصف والسب والشتم. العملية ممنهجة ومخطط لها بعناية والهدف هو إشاعة الفوضى والتطبيع مع ظاهرة العنف واعتماده كوسيلة لحسم الصراعات بدلا عن الصراع الفكري والسياسي الذي لم يعد الشكل المفضل مثلما يحصل في المجتمعات الديمقراطية. فالكل على عجلة من أمره والحسم السريع هو الهدف مهما كان الثمن. والعنف بات الآلية المفضلة في هذا السياق. والطرف الذي له مصلحة في العنف هو معسكر الحكم دون سواه باعتبار انسداد آفاق التنازل أمامه. أما الشعب المغدور فصاحب حق ومطالبه في الشغل والعيش الكريم مشروعة وطبيعية. وهو بحاجة من أجل تحقيقها إلى تنظيم صفوفه والانخراط في مشروع تغيير حقيقي والنضال السلمي المدني المنظم والممنهج للوصول إلى ذلك. ولا حاجة له بالتالي إلى العنف.

العنف كجواب على تعارض المصالح
الصراع الاجتماعي والسياسي لم يهدأ منذ 2011 إلى اليوم. وهو مرتبط بتناقض المصالح والأهداف بين البورجوازية الكبيرة العميلة المتربّعة على عرش السلطة وتعبيراتها السياسية من جهة (الحكومة والأغلبية البرلمانية وأحزاب الائتلاف الحاكم والرئاسة التي لم يعفها صراعها مع باقي أطراف الحكم من الانحياز لمصالح الأقلية الثرية) والشعب بمختلف طبقاته وفئاته والأطراف السياسية المعبّرة عنه من جهة أخرى. لكنّ الأزمة العامة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تتخبط فيها البلاد لم تلق طريق الحل بل ازدادت سعة وعمقا في الأشهر الأخيرة لعدة أسباب سياسية وتتعلق بالخيارات إلى جانب تداعيات الوباء على الوضع. وليس هناك من إمكانية في مثل ظروف البلاد اليوم لتنازلات إضافية يمكن أن يقدّمها الحكم كتحسين القدرة الشرائية والخدمات الأساسية والتشغيل وغيرها. وبات الحل الوحيد الممكن منحصرا في تحميل تبعات الأزمة للأغلبية الشعبية خدمة لمصالح حفنة من السماسرة تسيطر على المؤسسات ومقدّرات البلاد وتنتصب كوكيل للقوى الاستعمارية والإقليمية المهيمنة على بلادنا.

إنّ الحصول على قروض جديدة من المؤسسات المالية العالمية النهّابة أصبح الحل الوحيد من وجهة نظر منظومة الحكم لخلاص الأجور والقروض القديمة. وهو غير ممكن دون تنفيذ الإملاءات التي تتمثل في التفويت ورفع الدعم والضغط على كتلة الأجور ودهورة الخدمات وغيرها، أي مزيد دهورة الأوضاع المعيشية للشعب.
المسألة تتعلق بخيارات طبقية وأسلوب توزيع للثروة لم يعد يستجيب لانتظارات الأغلبية التي لم تعد اليوم تقبل بالعيش بهذه الطريقة. هذا التناقض وصل اليوم إلى مرحلة من الحدة والوضوح تفرض على الجميع اختيار أحد المعسكرين لا غير: أمّا معسكر المنظومة بأقليتها المالكة لوسائل الإنتاج والثروة وأحزابها ونوّابها البرلمانيين ورئيس دولتها ومؤسساتها المختلفة، وأمّا معسكر الشعب المغدور وتعبيراته السياسية الذي سفّهت المنظومة أحلامه في الشغل والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.

أيّ دورلحكومة المشيشي
الأكيد أنّ الأطراف التي تدير دفة الحكم اليوم هي الائتلاف الداعم لحكومة المشيشي بأغلبيته البرلمانية وأحزابه السياسية والمؤسسات التي يديرها والخيارات التي يدافع عنها. هذا الائتلاف المتشكل من النهضة وائتلاف الكرامة وقلب تونس وتوابعهم هو من يخطط ويشرّع وينفّذ بالاعتماد على حكومة المشيشي التي لا تضع خيطا في إبرة إلاّ بأمر منه. أما الرئاسة كأحد مكونات منظومة الحكم فرغم تباينها مع الائتلاف المذكور وصراعها المستمر معه حول الصلاحيات والمواقع فهي لا ترفض السياسات والخيارات وكل ما يسلّط على الشعب من تهميش واستغلال ومظالم وإجراءات. وهي بهذا السلوك جزء من معسكر أعداء الشعب.

إنّ دور حكومة المشيشي المخطط له باعتبارها رأس حربة منظومة الحكم يتمثل في المضيّ بالسرعة القصوى في تنفيذ المشروع اللاّوطني واللاّشعبي المملى من دوائر النهب الاستعماري والخضوع لإملاءات صندوق النقد الدولي المراد تمريرها تحت مسميات كاذبة:”الإصلاحات الكبرى” و”الإجراءات المؤلمة التي لابد منها” باعتبارها الشرط الضروري لإنهاء المسار الثوري وحسم مسألة السلطة نهائيا لصالح البورجوازية الكبيرة العميلة وتثبيت حكمها وسدّ الباب أمام أيّ إمكانية للتغيير الجذري والمساس بمصالح القوى والمؤسسات الاستعمارية الجديدة الداعمة لها.

حكومة المشيشي هي حكومة بلا طعم ولا رائحة وهي ليست مسؤولة بأيّ شكل من الأشكال إلاّ أمام مشغلّيها من القوى الماسكة بالسلطة التي تُدين لهم بالولاء لأجل الاستمرار في الحكم وإدارة الشأن العام مقابل منافع وجرايات وامتيازات. إنها مجرد مجموعة من الموظفين المكلفين بمهمات. وكما يقول المثل الشعبي “داخلة في الربح خارجة من الخسارة”. وهي تمثل بهذا المعنى خطرا كبيرا على مستقبل البلاد وعلى أمنها واستقرارها وسيادتها وعلى مصالح الأغلبية الشعبية التي تتعرض للنهب والتنكيل والعنف. وهي عاجزة تمام العجز عن معالجة أوضاع البلاد. لذا بات من الضروري إسقاطها قبل حصول الكارثة. وهذه مهمة مباشرة لا تستدعي الانتظار. فإمّا الشعب والمسار الثوري والمراكمة على طريق التغيير الجذري وإمّا حكومة التدمير والخراب.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

سبعة عشر + 7 =

إلى الأعلى
×