الرئيسية / أقلام / افتتاحية صوت الشعب: نبيل… شهيد الحريّة
افتتاحية صوت الشعب: نبيل… شهيد الحريّة

افتتاحية صوت الشعب: نبيل… شهيد الحريّة

يصادف يوم 8 ماي الجاري الذكرى 27 لاستشهاد نبيل بركاتي، مناضل حزب العمّال وكذلك النّقابي في قطاع الابتدائي. فقد أوقف نبيل في أواخر أفريل 1987 إثر توزيع حزب العمّال منشورا سياسيّا، واقتيد إلى مركز البوليس بقعفور حيث تمّ تعذيبه حتى الموت وألقي بجسده قرب سكّة الحديد بعد أن أطلق “الحاج عمار” وزبانيته رصاصة في رأسه ووضعوا المسدّس في يده للإيهام بأنّه فرّ من المركز وانتحر. وما أن شاع الخبر حتى انتفضت مدينة قعفور الباسلة وأطردت أعوان المركز فما كان من نظام بورقيبة، ومن وزير داخليّته وقتها، زين العابدين بن علي، إلاّ أن أعلن حظر الجولان بالمدينة لمدّة نصف شهر، واضطرّ، تحت ضغط الأهالي، إلى إيقاف “الحاج” المجرم، عمّار واثنين من أعوان المركز وجلبهم إلى تونس ليُحالوا على محكمة الجنايات.

ومنذ الذكرى الأولى للاستشهاد، أصبحت قعفور قبلة للديمقراطيين، من النّساء والرّجال، ومن مختلف النّزعات الفكريّة والسياسيّة، لإحياء ذكرى الفتى الشّجاع الذي فضّل الموت على الرّكوع أمام جلاّديه وتقديم اعترافات لهم تضرّ حزبه وتقود رفيقاته ورفاقه إلى السّجن، وكذلك للتّنديد بالتّعذيب الذي تحوّل أسلوب حكم لترهيب الشّعب وإخضاعه وثنيه عن المطالبة بحرّيته وحقوقه. وفي منتصف التّسعينات من القرن الماضي أعلن يوم 8 ماي يوما وطنيّا لمناهضة التّعذيب، ورغم ضغوط نظام بن علي الذي أوغل في ممارسة التّعذيب، مخلّفا العشرات من القتلى والمئات من المصابين بإعاقات جسديّة ونفسيّة من مختلف الاتّجاهات السّياسيّة، فقد تواصل إحياء الذكرى كلّ سنة، بما في ذلك في السّنوات التي عبّأ فيها بن علي قوّاته البوليسيّة لإغلاق كافّة المنافذ المؤدّية إلى مدينة قعفور بل ولاية سليانة كلّها، وإجبار المناضلات والمناضلين على عدم مغادرة مقرّات سكناهم أو مدنهم يوم إحياء الذّكرى.

لقد أصبح نبيل رمزا لكلّ الذين ماتوا تحت التّعذيب إن لفكرة أو رأي أو انتماء سياسي. واليوم وقد ثار الشّعب التونسي ضدّ الدكتاتورية وأسقط رأسها وافتكّ حرّيته فإنّ لإحياء ذكرى استشهاد نبيل البركاتي أكثر من مغزى، لعلّ أوّلها وأهمّها هو الإصرار على فتح ملفّ التّعذيب الذي لم يُفتح إلى حدّ الآن من قِبَل الحكومات المتعاقبة إثر سقوط بن علي. إنّ بلدنا لا يمكنه أن يتجاوز عقودا من الاستبداد والدّكتاتوريّة دون أن يفتح صفحات الماضي ويقرأها ويفهمها قبل أن يطويها، ولكن قوى الرّدّة، بقديمها وجديدها، تحاول بكافّة الطّرق الحيلولة دون تحقيق هذه الخطوة الهامّة، تماما مثلما هي تحاول سدّ الباب أمام الخوض في الملفّات الأخرى (الفساد…)، وهو ما من شأنه أن يُديم حالة الإفلات من العقاب، ويعسّر القطع نهائيّا مع الاستبداد، بل هو من شأنه أن يؤدّي إلى الالتفاف على الثّورة ويحرم الشّعب التونسي من بناء مستقبله على أسس جديدة.

فليكن إذن إحياء ذكرى نبيل واليوم الوطني لمناهضة التعذيب هذه السّنة مناسبة للتّعبئة ضدّ النسيان وضدّ الإفلات من العقاب وضدّ الالتفاف على الثورة ومن أجل التّسريع بتفعيل العدالة الانتقالية.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×