الرئيسية / أقلام / الجيلاني الهمّامي: “التّعاطي الجدّي المسؤول مع الملفّ الاجتماعي مفتاح لحلّ الأزمة”
الجيلاني الهمّامي: “التّعاطي الجدّي المسؤول مع الملفّ الاجتماعي مفتاح لحلّ الأزمة”

الجيلاني الهمّامي: “التّعاطي الجدّي المسؤول مع الملفّ الاجتماعي مفتاح لحلّ الأزمة”

جيلانيتشهد تونس منذ مجيء حكومة الحبيب الصيد تصاعدا مطّردا للحراك الاجتماعي المنظّم والشعبي للمطالبة بالتنمية وتحسين ظروف العيش. ويشهد هذا الأسبوع أوج هذا الحراك بعد أن هدأت أحداث الجنوب مؤقتا في انتظار ما أجل رئيس الحكومة الإعلان عنه من إجراءات إلى مستهل الأسبوع القادم.
 

  • الأساتذة يضربون

نفّذ أكثر من 80 ألف أستاذ يومي الثلاثاء 17 والأربعاء 18 فيفري الجاري إضرابا فاقت نسبة نجاحه الـ85 بالمائة في كلّ الاعداديات والمعاهد الثانوية. وقد اضطرّ الأساتذة إلى تنفيذ هذا الإضراب بعد أن فشلت جلستي التفاوض الصلحية مع وزير التربية الجديد ناجي جلول الذي رغم اعترافه بشرعية المطالب المقدّمة إليه رفض الاستجابة إليها وطلب بالمقابل ترحيلها إلى الحكومة بالنظر للمفعول المالي المترتب عنها. وهو ما اعتبرته النقابة العامة للأساتذة تهرّبا من التفاوض الجدي حول مطالب سبق أن عرضت على الحكومات لكثر من مرة دون جدوى.

  • إضراب البريديّين

من جهته أضرب قطاع البريد يومي 18 و19 الماضيين بعد سلسلة من جلسات التفاوض التي لم تتوصّل إلى أرضية اتّفاق مرضية، علما وأنّ وزارة الشؤون الاجتماعية كانت عرضت ليلة الإضراب مقترحا في الترفيع في قيمة إحدى المنح المطلوبة، غير أنّ رئيس الحكومة رفض المقترح وأصرّ على غلق الباب أمام هذه التعهّدات المالية. وللتذكير فإنّ النقابة العامة للبريد كانت أجّلت الإضراب في مناسبتين سابقتين بحيث لم يعد أمامها هذه المرة غير تنفيذ الإضراب في ظل الاحتقان الكبير والواسع الذي يسيطر على قواعد البريديين.

  • الإضراب يشمل قطاعات أخرى

في نفس الأسبوع ما انفك إضراب عاملات وعمال قطاع النسيج في منوبة يتّسع ليشمل مزيدا من المؤسسات من الجهة ومن جهات تونس الكبرى للمطالبة بمراجعة تطبيق النظام الضريبي الجاري به العمل والذي بات يكبّدهم نقصا ملحوظا في أجورهم خاصة بعد إدماج الزيادة في الأجر للسنة الماضية بما جعلهم خاضعين للخصم للفئة التي يزيد دخلها الشهري عن 5 آلاف دينار. كما يطالب المضربون بمراجعة نظام ساعات العمل والحدّ من عددها ( 48 ساعة في الأسبوع ). وقد انتقل المضربون إلى وزارة الشؤون الاجتماعية ومجلس نوّاب الشعب وما زالت حركتهم مستمرة وقد تأخذ حجما وأبعادا أخرى في الأيام القادمة.

على صعيد آخر يلوّح المهندسون بالدخول في إضراب وطني أيام 23 و24 و25 فيفري الجاري من أجل مطالب مهنية ومادية.

  • موجة من الاحتجاجات

هذه عيّنة من موجة الاحتجاجات التي تهزّ البلاد هذه الأيام تضع مرّة أخرى وعلى غرار شهر جانفي الفائت الذي شهد هو الآخر تصاعد نسبة الإضرابات والاحتجاجات الاجتماعية، الملف الاجتماعي في صدارة الأحداث لتؤكّد مجدّدا أنّ الأوضاع على درجة من الاحتقان والتأزّم. وقد بيّنت الحكومة الجديدة كما كان متوقّعا أنها لا تتعاطى مع هذا الواقع بالشجاعة اللاّزمة وأنها تسبق الاعتبارات الاقتصادية المجرّدة من مضمونها الاجتماعي. ذلك أنّ التعلّل دائما وفي كلّ مرّة بـ”إكراهات قانون المالية” وبالحاجة لمزيد من الوقت لحصر أولوياتها ليس إلاّ حججا دعائية لتبرير سياستها التقشفية التي لا تتجرّأ على الإصداع بها في وجه الضغط الاجتماعي الذي تعيشه.

إنّ التحركات التي هبّت لها جموع مواطني الذهيبة وبن قردان ومدنين وتطاوين وتحرّكات فئات متنوعة أخرى من المعطلين في أم العرائس وقفصة والقصرين وعمّال الحظائر والمربّين المعوّضين (في الأساسي والثانوي) وأهالي سيدي بوزيد (يوم زيارة رئيس الحكومة لهذه الجهة) يؤشّر على درجة الغضب الذي يشتعل في صدور التونسيات والتونسيين في أكثر من مكان. وليس في الأمر غرابة إذ سبق أن أكّدنا في الجبهة الشعبية أنّ أربع سنوات من حكم الباجي والترويكا ومهدي جمعة عمّقت البطالة والفقر وتدهور المقدرة الشرائية وتردّي الخدمات الاجتماعية وزادت ظروف العيش سوء على سوء.

  • الفشل المحتوم

كما كنّا أكّدنا أن لا مناص من اتّخاذ إجراءات شجاعة وملموسة لتخفيف وطأة هذه الحالة في انتظار إدخال الإصلاحات الضرورية على كامل المنظومة الاقتصادية والاجتماعية والمالية والإدارية والأمنية وتغيير منوال التنمية واختياراته. فهذه الأحداث تأتي لتؤكّد صواب ما ذهبنا إليه من أنّ الشعارات الدعائية والوعود الكاذبة والحلول الترقيعية الوهمية لا تضمن الاستقرار والنجاح ولا يمكن أن تقطع الطريق أمام الاحتجاج والغضب الشعبي.

فمعالجة الملف المطلبي الاجتماعي والشعبي معالجة جدية وصادقة هو المدخل الأسلم بل والوحيد في أوضاع تونس الراهنة وهي الطريق لإعادة تنشيط الدورة الاقتصادية وبسط الأمن وتحفيز الجميع على المشاركة في تجاوز أزمة البلاد التي جاءت مرحلة ما بعد الثورة لتعمّقها أكثر من ذي قبل.

غير أنّ إصرار حكومة الحبيب الصيد على السّير على خطى حكومات حمادي الجبالي وعلي العريض ومهدي جمعة سيضعها مرّة أخرى أمام الفشل المحتوم وسيكبّد الشعب مزيدا من الخسائر وسيضيّع على تونس وقتا أطول ويضعها عرضة لمخاطر أكبر في ضوء ما يجري من حوالينا من تطوّرات سياسيّة واقتصاديّة وأمنيّة لا تنبئ بخير.

إنّ الأحزاب السياسية ومكوّنات المجتمع المدني وجماهير الشّعب التونسي أمام مسؤولية كبيرة للضغط على الحكومة من أجل أن تتخلّى عن هذا التعنّت وأن تستجيب للمطالب المادية والمهنية والتنموية المرفوعة في كلّ مكان أو إزاحتها بصرف النظر عمّا يجري في مجلس نوّاب الشّعب من مناورات وحسابات تصبّ كلّها في تشريع استدامة أزمة البلاد والشعب.

                                  (“صوت الشّعب”: العدد 164)

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×