الرئيسية / أقلام / وطن الشهداء.. وحدهم الشهداء لم يتحدّثوا كثيرا
وطن الشهداء.. وحدهم الشهداء لم يتحدّثوا كثيرا

وطن الشهداء.. وحدهم الشهداء لم يتحدّثوا كثيرا

بقلم خالد الهدّاجي

hams-88301d71ceكانوا يعرفون ما تريده الأرض وما يحتاجه الوطن. هكذا قدّموا كلّ شيء عن طواعية ورحلوا بصمت. لم يكونوا من هواة إلقاء الدروس والنصائح الأخلاقوية ولا أدعياء حكمة ولا نظرية. قالوا كلّ شيء بكلّ بساطة وعفويّة، مفعمون بالانتماء إلى الوطن وفي رحيلهم لا يحتاجون إلى قصائد ولا منشدين ولا مديح. فقط يحتاجون إلى ورثة لطريقهم إلى أبناء ورجال يحرسون الوطن وأحلام الفقراء. إنهم يحتاجون من يقرأ على أضرحتهم سورة الوطن والحرية. إنهم يحتاجون إلى تلاميذ وطلبة وعمّال وفلاّحين ومعطّلين ومهمّشين يملأ ضجيجهم شوارع الوطن.. في رحيلهم لا يحتاج الشهداء إلى محترفي الثرثرة ولا إلى منظّرين ثورجييين ولا إلى محايدين يشتُمون الجميع ولا إلى جُلاّس الرّبوة المتفرّجين. فأوّل درس لقّنه لنا الشهداء برحيلهم أنّ الحرية لا تُهدى، إنما تفتكّ بالأجساد وبالدّماء وهذا الوطن في حاجة إلى مزيد من الشهداء والدّم في حاجة إلى مزيد من الرّجال والأحرار. إنهم في حاجة إلى من يمارس حبّ الوطن والشعب من يمارس المشي على خطاهم، ولأنّ من لا يمارس لا يخطئ ولا يتعرّض إلى القمع ولا إلى السخط اليميني الحاقد ولا إلى السجن ولا إلى التعذيب، لأنّ من لا يمارس لن يحترف سوى الثرثرة والمزايدات اللفظية.

إنّ الشهداء لم يكونوا كذلك إلاّ لأنهم مارسوا حبّهم للوطن وانتماءهم للقضية. إنّ الحرية ممارسة والتزام يومي ومن ينأى بنفسه عن الصّراع يصيبه خمول الأدعياء وأضغاث البطولات الوهمية.. الشهداء لا يحتاجون إلى ثوريّي المقاهي والحانات. إنهم بحاجة إلى ثوّار الميادين والساحات حين يذهب الشهداء إلى حيث اللاّعودة. ستجدون في عيونهم حلم وابتسامة أمل في نظراتهم الأخيرة آلاف الثوّار يولدون ولا شيء آخر يعنيهم لكنّهم حين يرحلون يتركون لنا إرثا ووصايا وأحلام يجب أن نقترفها يجب أن نكون بجدارتها، هذا ما سطّرته دماؤهم.. أن يدفع الشهداء حياتهم من أجل قضية وطن فهم لا ينتظرون شيئا سوى مواصلة دربهم وتحقيق أحلامهم. فبماذا سنجيبهم إن سألونا عمّا فعلناه وعن الوردة التي تركوها في عهدتنا.. إنّ من يسأل نفسه هذا السؤال الحارق سيظلّ وفيّا في النهاية وفيّا للدرب الذي اختاره الشهداء وستظلّ بوصلته موجّهة نحو الوطن والحرية لكن هواة الرّثاء والتّباكي فإنّهم أوّل من يخون دم الشهداء وأوّل من يتاجر به. إنهم أوّل السّاقطين على الدرب أمّا أولئك المتسلّقون والذين يظهرون على المنابر ويتحدثون باسم كلّ شيء، الدّين والثورة والأخلاق والشهداء لا لشيء إلاّ لطمس الحقيقة وتحريف المسار والدّرب الثوري، أولئك اللاّهثون خلف الكراسي والمواقع والأموال، أولئك اللاّهثون خلف شهرة زائفة وبطولات وهمية، أولئك حتى وإن تبجّحوا بأسماء الشهداء وذكروهم وترحّموا عليهم لن تجدهم في النهاية على خطى الشهداء، لن تجدهم في الميادين والساحات لأنهم أجبن من أن يكونوا مشاريع شهداء، لن تجدهم سوى تحت موائد أسيادهم يقتاتون من الفتات ويتلقّون الأوامر القذرة لتشويه الأحرار ورفاق الشهداء.

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×