الرئيسية / أقلام / علي الجلّولي: من أجل مؤتمر وطني حقيقي لمكافحة الإرهاب
علي الجلّولي: من أجل مؤتمر وطني حقيقي لمكافحة الإرهاب

علي الجلّولي: من أجل مؤتمر وطني حقيقي لمكافحة الإرهاب

قرّرت الحكومة بعد عملية سوسة الإرهابية القبول بالدعوة إلى مؤتمر وطني لمكافحة الإرهاب. وقررّت الدعوة إليه في شهر سبتمبر المقبل.

aliمعلوم أنّ الجبهة الشعبية كانت قد نادت منذ اغتيال شهيديها بلعيد والبراهمي بالدعوة إلى هذا المؤتمر، علما وأنّ الشهيد شكري بلعيد كان قد دعا مرارا قبيل اغتياله إلى مؤتمر وطني ضدّ العنف بمناسبة تفاقم العنف السياسي بعد صعود الترويكا الرجعية إلى الحكم.

 فما المقصود بهذا المؤتمر وماهي مهامّه، وماذا بعد أن وافقت الحكومة على الدعوة إليه؟

 

الهدف من المؤتمر

إنّ دعوتنا إلى مؤتمر وطني نابع من إيماننا الكبير أنّ هذه المعركة يجب أن تكون معركة وطنية، عامّة وشاملة، يخوضها الجميع ويشارك فيها الجميع. فمعالجة الدولة للظاهرة الإرهابية ستظلّ قاصرة، إن لم تكن مرفوقة بمشاركة مجتمعيّة شعبيّة عارمة، وإن لم تستهدف كل حواضن الإرهاب المادية والمعنوية، أي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي تنتج وتغذّي الأنشطة الإرهابية، وكذلك الأطر الثقافية والدينية والتربوية التي تشكّل قاطرة مهمّة في شحذ النّوازع التعصبيّة التكفيرية الإرهابية.

 لهذا فإنّ انخراط كلّ النّسيج الاجتماعي في التصدّي لهذه الظاهرة يشكّل ضمانة للتقليص منها على درب القضاء عليها وضرب استيطانها في بلدنا. إنّ المعالجة يجب أن تكون شاملة والحرب واسعة. لكن هل يعني هذا أننا جميعا لنا نفس الدور والمسؤولية؟

 

تحديد المسؤوليّات مهمّة المؤتمر

لاشكّ في أنّ مسؤوليّة الحاكم ليست مسؤولية المحكوم. ومسؤولية القوى السياسية متفاوتة بقدر العلاقة بهذا الملف. والقناعة راسخة عند قطاع واسع من جماهير شعبنا أنّ لبعض القوى السياسية تقاطعات سياسية، معنوية وأيضا عملية، مع النشاط الإرهابي الذي توسّع في ربوعنا منذ انطلاق المسار الثوري في بعض الأقطار العربية، ضمن مقاربة للقوى الامبريالية والرجعية الاقليمية التي أرادت ضرب هذا المسار وتشويهه لضرب تطلّع الشعوب نحو التغيير.

 ولقد كانت- كما كانت دوما- القوى الظلامية أداة للتنفيذ. بل إنّ المحور الاقليمي الذي يتصدّر التّوجّه المرتبط بالإرهاب هو المحور القطري التركي الإخواني ممثلا في “رابطة علماء المسلمين” وأهمّ فرق الإسلام السياسي في المنطقة بما فيها حركة “النهضة” التونسية. بل إنّ تنامي النّشاط الإرهابي كان قياسيّا في فترة هيمنة هذه الحركة على الحكم في بلادنا. وقد لقي النّشاط الإجرامي تغطية سياسية وعملية وصلت حدّ اختراق الأجهزة الأمنية، والأحداث كثيرة للتدليل على ذلك. وما تصريحات رئيس حركة النهضة وعدد من قادتها، وما علاقاتها المتشعّبة مع فرق إرهابية في ليبيا وسوريا، وما علاقتها مع أنظمة تركيا وقطر إلاّ أدلّة وقرائن على تقاطع هذه الحركة مع الإرهاب والإرهابيّين.

 ويشمل الأمر أيضا بعض الفرق الأخرى مثل حزب التحرير بخطابه وتمويلاته الضخمة وراياته السوداء، فضلا عن عشرات الجمعيات “الخيرية والدعوية”  المرتبطة بتمويلات رهيبة من دوائر خليجية وغيرها، وارتباط بعضها بالأنشطة التسفيرية لليبيا وسوريا.

 إنّ اتّساع نطاق الإرهاب لا يرتبط فقط بالدعم المادي واللوجستي والتقاطع السياسي والميداني مع الحركات السياسية المتغلّفة بالدين، بل يرتبط أيضا بمصالح المافيا الاقتصادية وبارونات التهريب والجريمة المنظمة التي استفحل نشاطها وفاق كلّ الحدود. وهي ذات تقاطع أكيد مع عصابات الإرهاب والجريمة السياسية، بحكم تبادل المصالح والخدمات، ويشمل تحديد المسؤوليات مسؤوليات المتربّعين على الحكم من أحزاب ومؤسّسات وأجهزة يتّسم أداؤها اليوم بالارتباك والارتعاش والتردّد.

ولا أدلّ على ذلك من هذه الضربات الموجعة في قلب المدن وفي وضح النهار(عمليتي باردو وسوسة خصوصا). إنّ التقصير واضح ومؤكّد وعلى كلّ طرف تحمّل نصيبه من مسؤولية استفحال هذه الظاهرة التي تجد اليوم مبرّرات استيطانها في اتساع مظاهر الفقر والبؤس والتهميش والاغتراب خصوصا لدى الشباب، ضحيّة السياسات الفاشلة منذ نظام بن علي إلى اليوم.

إنّ تحديد المسؤوليات هو مهمّة أساسيّة للمؤتمر الوطني لمكافحة الإرهاب. ووفقا له تُحدّد الأولويات والإجراءات العاجلة والأستراتيجية.

مهام المؤتمر

إنّ أهمّ مهمّة للمؤتمر هو خلق اتّفاق واسع بين القوى المعنيّة فعلا بمقاومة الإرهاب. وأهمّ بند في هذا الاتفاق هو كون المعالجة يجب أن تكون شاملة ولا تكتفي بالجانب الأمني، على أهميته. وهي تشمل الإجراءات العاجلة وبعيدة المدى. وتهدف الإجراءات العاجلة إلى الحدّ من البطالة والتهميش وبؤس الأوضاع المادية وليس تحميل الفقراء والكادحين فاتورة الأزمة الاقتصادية دون غيرهم وخاصة الدولة وأصحاب الأعمال الذين يريدون استغلال العمليات الإرهابية لفرض إجراءات لاشعبية ومؤلمة مُملاة من قبل الصناديق المالية النهّابة على حساب سيادة البلاد وقوت الشعب. إضافة إلى اتّخاذ إجراءات فورية تهمّ الشأن الثقافي، بإطلاق حريّة الإبداع والنشاط وتوفير الأطر في المدن والأرياف للجمعيات والمنظمات والنوادي التنويرية والمدنية. وتهمّ الشأن التربوي، بالشروع في إصلاحه في اتجاه عقلاني وتقدمي يحاصر التّعصّب والإرهاب ويشارك في مقاومتهما. وتهمّ الشأن الديني، بإخضاع كل المؤسسات الدينية للهيئات القانونية المعنيّة. وفتح نقاش واسع للتصدي للتشدد والظلامية وزرع الانفتاح والتسامح. وتشمل المعالجة الآنيّة اتّباع سياسة خارجية وطنية ومستقلة لا تقبل الخضوع والاستلاب. تنحاز إلى الشعوب والقضايا العادلة وتفكّ الارتباط مع الأنظمة الرّاعية للإرهاب والمصدّرة له مثل حكومة فجر ليبيا وحكومة قطر العميلة والفاسدة.

إنّ المؤتمر الذي ندعو إليه هو مؤتمر على هذه الشاكلة، وطبعا ليس مؤتمرا صوريا لتعويم المسؤوليات واستصدار وفاق مغشوش حول إجراءات جزئية. لقد طالبنا بهذا المؤتمر قصد تشريك كلّ القوى الشعبيّة، السياسية والاجتماعية والمدنية في التّعاطي مع موضوع حارق يتوقف على جزء كبير منه حاضر ومستقبل بلادنا وشعبنا وثورتنا. إنّ القناعة عميقة لدينا بكون المعركة ضدّ الإرهاب ستعزّز الفرز داخل وطننا بين أصدقاء الشعب الحقيقيين وأعداء الشعب الحقيقيين. ونحن نتوجّه إلى هذا المؤتمر لا بقصد الوقوف وتوزيع الابتسامات مع القوى المشبوهة في علاقتها بالإرهاب وتبييض الأموال وغسيلها لإفساد البلد والشعب والقضاء على الثورة. بل نتّجه إلى هذا المؤتمر قصد كشف ما وراء الأكمة وقول الحقيقة، كلّ الحقيقة حول ملفّ يقضّ مضاجع شعبنا واستهدفنا في أعزّ قادتنا، الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي.

كتب لجريدة “صوت الشّعب”

علي الجلّولي: عضو لجنة مركزية لحزب العمّال

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×