الرئيسية / ملفات / ذكرى نبيل / قضيّة الشّهيد نبيل بركاتي أمام الدّائرة الجنائيّة المتخصّصة: الخشية من عدم كشف الحقيقة وتكريس الإفلات من العقاب
قضيّة الشّهيد نبيل بركاتي أمام الدّائرة الجنائيّة المتخصّصة: الخشية من عدم كشف الحقيقة وتكريس الإفلات من العقاب

قضيّة الشّهيد نبيل بركاتي أمام الدّائرة الجنائيّة المتخصّصة: الخشية من عدم كشف الحقيقة وتكريس الإفلات من العقاب

الأستاذة سيدة الغزواني
عضوة هيئة الدفاع عن الشهيد نبيل بركاتي

بأمر عدد 2887 لسنة 2014 مؤرّخ في 8 أوت 2014 المتعلّق بإحداث دوائر جنائية متخصّصة في العدالة الانتقالية بالمحاكم الابتدائية المنتصبة بمقرّات محاكم الاستئناف بتونس وقفصة وقابس وسوسة والكاف وبنزرت والقصرين وسيدي بوزيد، تمّ إحداث الدائرة الجنائية المتخصّصة في العدالة الانتقالية بالمحكمة الابتدائية بالكاف. حيث تمّت إحالة ملف الشهيد نبيل بركاتي أمام هذه الدائرة من قِبَل هيئة الحقيقة والكرامة بعد أن قامت مصالحها بالبحث والتقصّي والتحقيق في ملفّ القضية للكشف عن الحقيقة وفقًا لأحكام القانون عدد 53 لسنة 2013 المتعلّق بإرساء العدالة الانتقالية وتنظيمها الذي بيّن في فصله الرابع من بابه الثاني أنّ “الكشف عن الحقيقة هو جملة الوسائل والإجراءات والأبحاث المعتمدة لفكّ منظومة الاستبداد وذلك بتحديد كلّ الانتهاكات وضبطها ومعرفة أسبابها وظروفها ومصدرها والملابسات المحيطة بها والنتائج المترتّبة عنها، وفي حالات الوفاة والفقدان والاختفاء القسريّ معرفة مصير الضحايا وأماكن وجودهم وهويّة مرتكبي الأفعال التي أدّت إليها والمسؤولين عنها”.

وعندما تولّت الدائرة الجنائيّة النظر في الملفّ تمّ تعيين الجلسة الأولى بتاريخ 4 جويلية 2018 والتي تميّزت بحضور مهمّ للسان الدّفاع حيث أعلم عشرات المحامين نيابتهم، كما حضرها أهمّ مكوّنات المجتمع المدني وعدد كبير من ضحايا الاستبداد من كافّة مناطق الجمهورية. وبذلك تمّ تجسيد الخطوة الثّانية في مسار العدالة الانتقالية المتمثّلة في المساءلة والمحاسبة القضائية والكشف عن الحقيقة عبر هذه الدائرة الجنائية المتخصصة.

وبالعودة إلى ملابسات قضيّة اغتيال نبيل بركاتي والذي تمّ اعتقاله يوم 27 أفريل 1987 من قِبل أعوان مركز الشرطة بمدينة قعفور من ولاية سليانة إثر توزيعه بيان يحمل عنوانا “الصراع الدستوري الإخواني لا مصلحة للشعب فيه” والصّادر عن “حزب العمال الشيوعي التونسي” المحظور.

ويوم 8 ماي من سنة 1987 تمّ العثور على جثّته ملقاة وسط قنال إسمنت وبالقرب منها سلاح ناري وطلقة نارية على مستوى الرأس.

تتالت الجلسات أمام الدائرة الجنائية المتخصّصة تمّ فيها سماع عديد الشّهود وبعض من المنسوب إليهم الانتهاك، في حين أنّ الأغلبية منهم لم يستجيبوا لاستدعاء المحكمة والبعض الآخر تعذّر على المحكمة إبلاغهم الاستدعاء لعدّة أسباب منها عدم جدّية الأطراف المناط إليها الاستدعاء والتّبليغ. إضافة إلى أنّ البعض من الذين نُسب إليهم الانتهاك وحضروا الجلسات لم يبدوا تجاوُبًا مع المحكمة.

ورغم أنّ عدد الجلسات قد بلغ ثمانية، فإنّ القضية ليست جاهزة للفصل بعد، وذلك للأسباب التالية:

– أغلب المنسوب إليهم الانتهاك لم يستجيبوا إلى استدعاء المحكمة،
– المنسوب إليهم الانتهاك تمّ تحديدهم من قِبل لجان تحقيق هيئة الحقيقة والكرامة، ممّا يعني أنّ المحكمة باتت مُقيّدة بعملٍ قبليٍّ لا يتيح إليها إمكانية توجيه تهم جديدة أو لأشخاص تمّ التعرّف عليهم من خلال تطوّر مجريات الاستنطاق والسّماع من قبل هيئة المحكمة.

وخلافا لهيئة الحقيقة والكرامة التي جاءت منظّمة عبر قانون مفصّل، فإنّ الدوائر الجنائية المتخصّصة يعتريها فراغ تشريعيّ واسع من ذلك عدم تمكينها من دليل إجراءات مخصّص، ممّا جعل المحكمة في ضبابية.

لئن كانت الدوائر الجنائية المتخصّصة مكسب مهم في مسار العدالة الانتقالية بما هي كشف للحقيقة وحفظٌ للذاكرة ومساءلة ومحاسبة وجبرٌ للضّرر وردّا للاعتبار، إلاّ أنها مازالت تعاني من عديد العقبات والهِنات. والخشية أن يُتوّج عمل هذه الدوائر المتخصصة بالفشل بما يعنيه من طمسٍ للحقيقة وإفلات من العقاب.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×