الرئيسية / رأي / تضَامُنًا مَعَ النّاشطة آمْنَة الشّرقي
تضَامُنًا مَعَ النّاشطة آمْنَة الشّرقي

تضَامُنًا مَعَ النّاشطة آمْنَة الشّرقي

حمّه الهمامي

نصٌّ معدّلٌ (إضافات):

 

التّكْفِيرُ هو سِلاَحُ مَنْ لا عَقْلَ لهُ لإيقافِ نَشَاطِ العَقْلِ.
وهو سِلاحُ منَ لا قُدْرَةَ لهُ على الإِبْدَاعِ لِقَتْلِ الإِبْدَاع.
وهْوَ سِلاحُ مَنْ لا ذَوْقَ له لجَعلِ الذَّوْقِ لا يَتجاوزُ مُرَبَّعَ الغَرِيزَة.

راقَنِي ما كتبَهُ الأستاذ إبراهيم بن مراد، الجامعي والرِّوائي والنّاقد الأدبيّ المعروف، دفاعا عن الناّشطة آمنة الشّرقي التي روّجتْ (أو كتَبتْ، هذا لا يهمُّنِي شَخْصيًّا كثيرًا) خاطرةً حوْلَ جَائِحةِ “كورونا” فِيهَا مُحاكَاةٌ لنَصٍّ قُرآنيٍّ، فَقَادَها هَذا “الفِعْلُ” أمَامَ المَحَاكِمِ…بسِتِّ تُهَمٍ “يا بوقلب…لا وَحْدة وَلاَ اِثْنِينْ”.(1)

قاَلَ إبراهيم بن مراد، من ضِمْن ما قال، مُعرِّفًا الإبْدَاع والاِبْتِكار: “فالأديبُ والفنّان مُبْتكِرانِ مُبْدِعانِ ولا يُمْكِنُ لابتكارِهِما وإبداعهما أنْ يَبْلُغَا أقْصَاهُمَا إلاَّ إذا اسْتطَاعَا اِرْتِيادَ الأبْعادِ المجْهولةَ الخفيّة التي لم تكتشف بعد للابتكار والإبداع على أن يكون ذلك في قالب فنّي يتجاوز المعهود المتداول من أساليب القول والتعبير…”

إنّني لا أجد أوضح وأبلغ من هذا الكلام لتعريف الإبداع والابتكار. ومَا خرج عن هذا التعريف فهو تقليد واجترار للقديم، لا روحَ ولا فنَّ فيه. وبشهادة الأستاذ، الروائي والناقد الأدبي، فإنّ ما روّجته (أوْ أبْدعتهُ) السيّدة آمنة الشّرقي فيه إِبْداعٌ وابتكارٌ. وليس لي في هذا المجال ما أضيف إلى ما قاله.

وإلى ذلك فقد ساق الأستاذ أمثلة من التاريخ العربي الإسلامي والإِنْسَانِي لأدباء وفنَّانِينَ حاكوا نصُوصًا دينية فيما أبدعوا أو انتقدوها أو تمرّدوا عليها أو حتى سخروا منها. وقد ظلّت نصُوصُهم من بين الرّوائع التي “تُقرأ فلا تُملُّ قراءتها وتُتَأَوّلُ فلا ينتهي تَأَوّلُهَا”. وتكفي هُنَا الإشارة إلى رائعتين من تلك الروائع وهما “رسالة الغفران” للمعرّي و”الكوميديا الإلهية” لدانتي.

وإذا كانَتْ لِي مِنْ إضافة في هذه النّقطةِ بالذات فهي الإشارة إلى أنّ تلك الإبداعات تحقّقت في لحظات نهوض حضاري. فحيثما وُجِدَ نُهوضٌ إلاّ ورافقه إبْداعٌ كبيرٌ. وحَيْثُما وُجِدَ انحِطاطٌ أو سقوطٌ إلاّ ورافقه تصحّرٌ كبير..

إنَّ التَّارِيخَ يُبيِّنُ ألاّ وُجودَ لسلطة أوْ جماعةٍ تكفيريَّةٍ أنْجَبت منْ رحِمِهَا مُبْدِعًا واحدًا…لأنّ الإبْداعَ، فِي نظَرِها، مرْفوضٌ أصلا، بل هو كفرٌ.

وحتّى إذا ظهر مُبدِعٌ واحدٌ في مُجْتَمَعٍ أوْ فضاءٍ تحْكُمُهُ سُلْطةٌ أو جماعَةٌ تكفيريّةٌ فأَيْقِن أنّه ليسَ منها بل أيقِنْ أنّه مُعارِضٌ لها، مجدِّدٌ وثائرٌ على ما تُروّجُهُ…

فإلى الأمام آمنة الشرقي. ولا تتراجعي، سيّدتي، ولو قيْدَ أُنملةٍ، حتّى لو وجدت نفسك وحدك. ولكنّكِ لستِ وحدَكِ. ولن تكوني وحدكِ. إنّ النِّيرَانَ ليْسَتْ مُوَجَّهةً إِلَيْكِ فقَط بل لكلِّ حُرّةِ وحرٍّ.

لنْ يَقْدر أحدٌ أن يجْعل منكِ “الجعد بن درهم” الذي ذبحه والي الكوفة خالد بن عبد الله القسري(أيام الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك) في أوّل أيّام عيد الإضحى من عام 105هـ/724م، بتهمة “الزّندقة”، لفكرة اعتنقها وعبّر عنها.

ولنْ تكُونِي محمود محمّد طه الذي أعدمَهُ حاكم السودان جعفر النميري، بتحريض من “الإخوان”، عام 1985 لرؤية دينية تجديديةٍ، طوّرها وهي تدعو فيما تدعو إلى المساواة التامة في الحقوق بين النساء والرّجال، ورفض التخلّي عنها رغم كلّ صنوف الوعد والوعيد.

كُونِي، سيّدتِي، كما أنْتِ. كُونِي كما تُرِيدين أنْتِ أنْ تكُونِي. حُرَّةً، طليقَةً، “كنورِ الضُّحَى فِي سَمَاهْ”.
*****

للتّأمّل فقط:

(1)قال “رهينُ المحبسين”، صاحب “رِسَالَةِ الغُفْرَان” الذي أبْصَر ما لَمْ يُبْصِرْهُ المُبْصِرُونَ:

“يرْتجِي النّاسُ أن يقوم إمامٌ ناطقٌ في الكتِيبَةِ الخَرْسَـــاءِ
كذِبَ الظنُّ لا إمام سوى العقــــــــلِ مشيرا في صُبْحِهِ والمسَاءِ
فإذا مَا أطَعْتَهُ جلَبَ الرّحــــــــــــــــــــــــــــــــــــمة عند المسير والإرســــــــــــــــاءِ
إنّما هذِهِ المذاهِبُ أسبـــــــــــــــــابٌ لجذْبِ الدُّنيا إلى الرُّؤسَــــــاءِ”

(2) قصّتان للقائلين: “ما دخلنا في موضوع آمنة الشرقي ولتتحمّل وحدها مسؤولية ما فعلته” متذرّعين زورا وبهتانا بكونها “أساءت إلى عقائد الناس”:

القصة الأولى:

قصّة المثل القائل: “أُكِلْتُ يَوْمَ أُكِلَ الثَّوْرُ الأَبْيَضُ”

يُحْكى أنّ أسداً وجد قطيعاً مكوناً من ثلاثة ثيران؛ أسود وأحمر وأبيض، فأراد الهجوم عليهم فصدوه معاً وطردوه من منطقتهم.

ذهب الأسد وفكّر بطريقة ليصطاد هذه الثيّران، خصوصاً أنّها معاً كانت الأقوى، فقرّر الذهاب إلى الثورين الأحمر والأسود وقال لهما: «لا خلاف لديّ معكما، وإنّما أنتما صَديقَايَا، وأنا أريد فقط أن آكل الثور الأبيض، كي لا أموت جوعاً، أنتم تعرفون أنني أستطيع هزمَكم لكنّني لا أريدكما أنتما بل هو فقط.”

فكّر الثوران الأسود والأحمر كثيراً؛ ودخل الشك في نفسيهما وحبّ الراحة وعدم القتال فقالا: «الأسد على حق، سنسمح له بأكل الثور الأبيض». فافترس الأسد الثور الأبيض وقضى لياليَ شبعانًا فرحاً بصيده.

ومرّت الأيام، وعاد الأسد لجوعه، فعاد إليهما وحاول الهجوم فصدّاه معاً ومنعاه من اصطياد أحدهما. ولكنّه استخدام الحيلة القديمة، فنادى الثّور الأسود وقال له: «لماذا هاجمتني وأنا لم أقصد سوى الثّور الأحمر؟”.

قال له الأسْود: «أنْتَ قلتَ هذا عند أكل الثّور الأبيض.”

فردَّ الأسدُ: «ويْحَكَ أنت تعرف قوّتي وأنّني قادر ٌعلى هزمكما معاً، لكنّني لم أشأ أن أخبره بأنّني لا أحبّه كي لا يعارض اتّفاقنا السّابق”.

فكّر الثّورُ الأسْودُ قليلاً ووافق بسبب خوفه وحُبِّه الرَّاحَةَ.

في اليوم التّالي اصطاد الأسد الثور الأحمر وعاش لياليَ جميلةً جديدة وهو شبعان. مرّت الأياّم وعاد وجاع.

فهاجم مباشرة الثّور الأسود، وعندما اقترب من قتله صرخ الثّور الأسودُ: أُكِلْتُ يوم أُكِلَ الثّور الأبيض.”

اِحتار الأسد فرفع يده عنه وقال له: “لماذا لم تقل الثّور الأحمر، فعندما أكلته أصبحت وحيداً وليس عندما أكلت الثّورَ الأبْيَضَ.”

فقال له الثّور الأسود: “لأنّني منذ ذلك الحينِ تنازلت عن المبدأ الذي يحمينا معاً، ومن يتنازل مرة يتنازل كل مرة، فعندما أعطيت الموافقة على أكل الثور الأبيض أعطيتك الموافقة على أكلي.”

القِصّة الثّانية:

وهي في شكل قصيد منسوب إلى الشّاعر الفرنسي “مارتين نيوملير” وهو قسّ. وقد كتب هذا القصيد في أحد معسكرات النازيّة (معسكر داشو الشهير 1942):
“لم أُبَالِ…”
عندما جاء النازيُّونَ للبَحْثِ عن الشّيوعيّين
لَمْ أُبَالِ…
لأنَّنِي لسْتُ شُيوعيًّا…
وعندمَا عادَ النّازيُّونَ للبحْثِ عن النقابيِّينَ…
لَمْ أُبَالِ…
لأنّنِي لسْتُ نقابيًّا…
وعندما عَادُوا مَرّةً أخرى للبَحث عن اليهُودِ…
لَمْ أُبَالِ…
لأنّنِي لسْتُ يهودِيًّا…
وعندمَا عَادُوا ثَالِثَةً للبَحْثِ عَنِ الكَاتُولِيك
لَمْ أُبالِ …
لأنّني بروتسْتَاني…
وأخيرا لمّا جَاؤُوا لِلْبَحثِ عَنِّي
لمْ يَبْقَ مَعِي أحدٌ…
لِكَيْ أُقَاوِمْ…”

(3) عودٌ على بدْءٍ:

للـتأمُّلِ فقط:

ختم الأستاذ قيس سعيد، رئيس الجمهورية الحالي، محاضرة بعنوان “دينها الإسلام”، ألقاها يوم 18 سبتمبر 2018 بكلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس بمناسبة افتتاح الموسم الدراسي 2018-2019 بحضور عدد من العمداء، بالقول: “وهكذا… وأستلهم هنا من أحمد مطر: “إذا الدّسَاتِيرُ سُئِلَتْ بِأَيِّ حِبْرٍ كُتِبَتْ لَانْتَفَضَتْ فُصُولُهَا وَصَرَخَتْ بُنُودُهَا بِحِبْرٍ مُسْتَوْرَدٍ مِنْ عَوَاصِمَ غَرْبِيَّةٍ”.

علّق أحد القوم قائلا: “والنّيابةُ إذا حُرِّكَتْ…”

تونس في 10 ماي 2020

_______________
(1) لم أجد أبلغ من هذه العبارة، التي تذكّرني بأجواء الحبس، للتعبير عن عَجَبي ممّا حصل للسيدة آمنة الشرقي.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×