الرئيسية / صوت الجهات / قفصة: الجراح القديمة ونذر الانفجارات القادمة
قفصة: الجراح القديمة ونذر الانفجارات القادمة

قفصة: الجراح القديمة ونذر الانفجارات القادمة

ساءت أوضاع الأهالي على جميع الأصعدة طوال السّنوات الماضية كما لم يحدث حتّى قبل الثورة. فكلّ المؤشرات الموضوعية في مجالات الصحة والتّعليم والبيئة والفلاحة وبطبيعة الحال التّشغيل سارت وتسير نحو الخلف، حتّى أنّ الحياة الآدمية في شروطها الدنيا أضحت صعبة المنال بل منعدمة في أكثر من مدينة وقرية بهذه الجهة (أم العرائس، المظيلة،.. الطلح، أم العلق، سيدي بوبكر…).

فدارلقمان لم تبق على حالها بل ازدادت انهيارا وتردّيا عمّق موجات النّزوح من أرياف البؤس نحو التّجمعات الحضرية بالجهة أوخارجها.

ومن نافلة القول أنّ هذا التّقهقر الشامل ليس صنيع إرادة سماويّة ولا قدرا محتوما. فهو حصيلة سياسات حكومات ما بعد 2011 الموغلة في التّحايل والتّسويف الذي بلغ درجات مخزية في الجمع بين الاستهتار المفجع بمشاغل الأهالي والاحتقار المعيب للحراك الشعبي المشروع لتحقيق شروط الحياة الكريمة والمواطنة الحقيقية.

فالتّعاطي الرّسمي مع كلّ دعوات الحراك الاجتماعي والسياسي الذي لم يهدأ طوال السّنوات الماضية لم يخرج عن المنطق القديم القائم على المخاتلة وربح الوقت والاستقواء بالأجهزة الأمنية والمؤسسة القضائية لنشر الخوف وتكميم الأفواه من جديد.

فالمشغل الأساسي لمنظمومة الحكم في علاقة بهذه الجهة ظلّ سجين المساحات القديمة التي تحوم حول تأمين استخراج الفسفاط وقلها دون إقامة وزن لحالة الخراب الذي يطال مدن الحوض المنجمي وباقي الجهة.

فالبقرة الحلوب “شركة فسفاط قفصة” تعطي حليبها وزبدته بعيدا عن أهاليها ممّا جعل هذه المؤسسة في قلب عواصف الاحتجاجات الاجتماعية.

والذّهب الاسود (الفسفاط) أضحى لعنة في الذّهنية الشعبية وحضور الدّولة عبئا ثقيلا غير مرغوب فيه.

فالهوّة سحيقة بين الأهالي وليس فقط الشركة وإنّما مجمل هياكل السلطة. وهو في اعتقادنا القاعدة الموضوعيّة التي غذّت ومازالت الحركات الاحتجاجيّة بالجهة وأوصلت الحراك في انتفاضة الحوض المنجمي الباسلة في 2008 إلى دقّ المسمار الأول في نعش النّظام الدّيكتاتوري وتعبيد الطّريق أمام ثورة 17 ديسمبر 14 جانفي المجيدة.

وبالعودة إلى أوضاع اليوم وما يصحبها من ثقل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية على الأهالي تكاثرت الدعوات المواطنية لاستئناف الحراك وتنظيمه بما يسمح بتحسين الأوضاع وإيقاف هذا التّردّي.
فحالة الغليان في تصاعد وشروط المنازلة الجديدة قائمة ولن يتأخرّ كثيرا انطلاق شرارتها الأولى.
وحتّى تكون منازلة هذه المرّة أكثر توفيقا وجدوى، نحن نعتقد أنّ البدايات ينبغي أن تتمحور حول ضبط الأهداف والوسائل بدقة.
فالمطلب الأساسي شديد الوضوح ويمكن اختزاله في فرض نسبة 20٪ من عائدات مبيعات شركة فسفاط قفصة والمجمع الكيميائي بالمظيلة وخلق آليات شروط تنفيذ الاتفاق ومراقبة صرفه لاحقا بعيدا عن هياكل الفساد و أيادي المفسدين.
فهذا المطلب ليس بالأمر التعجيزي ولا المارق عن روح الدّستور التّونسي (التمييز الإيجابي) إضافة إلى الاستساغة الواسعة شعبيا لمعقوليته وضروراته.
أمّا عن الوسائل والتّمشي فهما ليسا بالغريبين عن ساحتنا السيّاسيّة والاجتماعيّة بالجهة منذ عقود.
فتنظيم المقاومة الشعبيّة حول هذا المطلب وهذا الحقّ يفترضان حشد كلّ القوى السياسية والاجتماعية والشبابية في حراك موّحد يقبل التّنوع والاختلاف ويركّز على القواسم المشتركة.
وفي هذا الصدد لا بدّ من اليقظة حيال محاولات شقّ الصفوف وإضعاف القوى تحت عناوين الولاء القبلي او المناطقي أو العصبيات الحزبية والتّخفي المخادع وراء الاستقلالية وموضة “المجتمع المدني”.

عمار عمروسية

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×