الرئيسية / صوت الثقافة / معرض الفتوغرافي منجي القيزاني: يستلّ خيط الضوء من رحم العتمة ..
معرض الفتوغرافي منجي القيزاني:  يستلّ خيط الضوء من رحم العتمة ..

معرض الفتوغرافي منجي القيزاني: يستلّ خيط الضوء من رحم العتمة ..

وهيبة العيدي متخرّجة من معهد الموسيقى والمسرح بالكاف

وهيبة العيدي متخرّجة من معهد الموسيقى والمسرح بالكاف

 في تلك الساعة من هجمات الليل، حيث يحط رخّ الظلام على عتمة الكون تفتقد الروح إلى لمعان الضوء، كي تستعيد هدوءها. وتفتقد الحياة إلى عين فنّان كي يلتقط لنا ذلك النور الكامن في العتمة. وحده الفن يواجه بالوهم حينا وبالأغنيات وبالصّور والألوان والأضواء جرذ الخراب. خراب السواد الزّاحف على الفكر وعلى المكتسب الحضاري الإنساني.

الإطار الزماني قبيْل الغروب.

الإطار المكاني، مركز الفنون الدرامية والرّكحية بالكاف، في قاعة المعارض الحبيب شبيل، تماما على اليسار وأنت تدخل ساحة مركز الفنون، تنزل ثلاث درجات لتصل أرضية القاعة وتصعد ساعة دخولك مئات الدراجات الجمالية وأنت تطالع معرض الصوّر الذّي هندس إطاره الجمالي الفنان الفتوغرافي منجي القيزاني عبر جملة من اللوحات الموزّعة بشكل يأخذك تدريجيا إلى اكتشاف عوالم الصّراع الخفي والمعلن بين الضوء والظّلمة.

ما شدّ انتباهي في اللوحات هو هذا البحث المضني لعين الكاميرا ومن خلالها عين المصوّر عن خيوط الضوء في الليل الطويل الأليلي. اللوحات مجملها رصد دقيق ومتابعة لصيقة لمشاهد عديد المسرحيات، التي حضرها الفتوغرافي.. من خلال اللوحات نراه لا يقتنص حركة الممثلين كما عادة الفتوغرافيين، بل نجده يتبع خيط الضوء المتسلل من رحم العتمة فوق الرّكح.

ففي أحد لوحاته المأخوذة من مسرحية “القنّاصة” ليوسف الصيداوي، يتابع انعكاس الضوء على الديكور المؤثث للرّكح، حيث نرى دوائر من الحديد الملوّن بالأسود، في ركح يطغى عليه الظلام، وفي كل ذلك السّواد الطاغي يمكن لعين المشاهد للّوحة أن يميّز بين تفاصيل الدّوائر وتعرّجاتها وانحناءاتها دون عناء، كأنه يلامسها بعين قلبه.

المعرض وإن كان في مجمله متابعة لفعل المسرح في أماكن وتجارب متعددة، هو في العمق تجسيد لصراع أزلي بين الضوء والظلمة، بين النور والسواد، هو صراعنا اليومي ضد قوى الشّد إلى عصور الاستبداد والطغيان، ودفاعنا السرمدي عن قوى الانفتاح والعلم والشغف الإنساني بكل تفاصيل الحياة وجمالها. “إلى النور فالنور عذب جميل // إلى النّور فالنور سر الحياة”، “كذلك قالت لي الكائنات وحدّثني روحها المستتر”.

المعرض مواصلة مشروع ضوء كان مع أبو القاسم الشابي وكل المحدثين الذّين آمنوا بتونس حديقة تتسع لألف زهرة وكل زهرة من لون وبرائحة مختلفة كما حلم بذلك الرفيق الشهيد شكري بالعيد.

مع الفتوغرافي منجي القيزاني تخرج الصورة عن كونها تثبيت للحظة وللحركة، وتجميد للمشهد ومخزون للأرشفة، تخرج عن هذا المعنى لتدخل دائرة اللوحة الفنيّة، حمّالة الأوجه، والزّاخرة بالتأويل وبالتدليل. تدخل في فضاء خلق الحركة وتجديدها وجعلها حيّة تصارع وتستفزّ المشاهد لتحفّزه على المعنى  وعلى الكلمة.

وكما قال المثل الصيني: “الصورة بألف كلمة”، فالصورة عند منجي القيزاني بألف معنى. فهو يجترح المعنى من رحم الصّمت، كما يستلّ الضوء من رحم العتمة.

بقلم: وهيبة العيدي

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×