الرئيسية / أقلام / عمر حفيّظ: “في ما بيننا وبين الكتاب من غربة واغتراب”
عمر حفيّظ: “في ما بيننا وبين الكتاب من غربة واغتراب”

عمر حفيّظ: “في ما بيننا وبين الكتاب من غربة واغتراب”

7faiedhفي العولمة وبعض تأثيراتها:

في السّياق العالميّ الرّاهن تنفرد أمريكا التي “عولمت” العالم، بأهمّ القرارات الدّوليّة. فهي التي تحدّد أوقات الحرب والسّلم وتضبط المصطلحات الأساسيّة الكبرى كالدّيمقراطية و”الإرهاب” و”حرب الإبادة” “والجرائم ضدّ الإنسانية”. وهي التي تسعى جاهدة، إلى إعادة بناء العالم على نحو يتيح لها أن تسيطر على الثّروات والأسواق والعقول بأبخس الأثمان.

 ودون إغراق في التفاصيل، فإنّ ما يعنينا ممّا تمّت الإشارة إليه، هو أنّنا نعيش تأثيرات العولمة بثقافة صدّقت “نهاية التّاريخ” وموت الايدولوجيا” وغير ذلك من الشّعارات التي رفعتها العولمة وبنت عليها ايديولوجيّتها، ويكفي أن نشير إلى بعض المعطيات لندرك طبيعة الإشكالات التي توجّهنا.

في ظلّ العولمة وفي عصر المعلومات، لم يعد الحديث عن حدود وطنيّة أو عن خصوصيّة ممكنا، على النّحو الذي قد توهم به كلمتا “حدّ” و”خصوصّية”. ويكفي أن نقارن بين حضور اللّغة الانقليزيّة في الانترنيت واللّغة العربيّة التّي لم تدرجها منظّمة التّجارة العالميّة ضمن قائمة لغاتها الرّسميّة رغم ما بين هذه المنظّمة والدّول العربية من علاقات ومصالح. فالمواقع التي تستعمل الانقليزيّة تقدّر بـ80 %.

ولتأكيد هيمنة الانقليزيّة في العالم، نذكّر فقط بأنّ:

-65 % من برامج الإذاعات باللّغة بالانقليزيّة

-70 % من الأفلام ناطقة بالانقليزيّة

-90 % من الوثائق المخزّنة في الانترنت بالانقليزيّة

-85 % من المكالمات الهاتفية الدّوليّة تتمّ بالانقليزيّة

وفي المقابل، فإنّ الإعلام العربيّ أصبح محدود التأثير وعاجزا عن صناعة ثقافة تقاوم التوجّهات التّجاريّة والنّزعات الاستهلاكيّة، خاصّة، فالقنوات الخاصّة مثلا – وهي الأكثر عددا – يحكمها شعار “المتعة. ولا شيء غير المتعة” (صناعة “الفيديو كليب”). أمّا القنوات الحكوميّة، فإنّ مشاهدتها محدودة بمناسبات، فضلا عن أنّ المّادة المقدّمة فيها، وهذا هو الأهمّ، فاقدة لكفاياتها الإعلاميّة والإقناعيّة والتثقيفيّة.

إنّ أهمّ سمات العولمة هي السّعي إلى تهميش الثّقافة بمفهومها الإنسانيّ النّبيل الذي يقوم – في ما يقوم عليه-على الدّفاع عن قيم تليق بإنسانيّة الإنسان، وعلى الجماليّ الذي يرتقي بالأذواق والأفهام.

وما من شكّ في أنّ الغاية الكبرى لذاك التّهميش هي التّأسيس للشكّ في كلّ شيء، لا من زاوية عقلانيّة معرفيّة لتطوير السّابق والمراكمة عليه وتجديد آليّته وتنويع مداخله الخصيبة، وإنّما للشكّ من زاوية عدميّة تضعف المناعة الثقافيّة وتربك التّواصل الإنسانيّ المعرفيّ بين الأمم والشّعوب. ويكفي أن نذكّر، مثلا، بأنّ مقاومة الاحتلال التّي تضمّنها المواثيق الدّوليّة واتفاقيّات جنيف وغيرها تصنّف ضمن الإرهاب، بما يعني أنّنا إزاء قصدٍ لتأبيد الأزمات أو خلقها خاصّة في الوطن العربيّ.

في علاقة التونسي بالكتاب:

والسّؤال الذي سنحاول الوقوف عند بعض تفاصيله الآن هو: ما علاقتنا بالكتاب؟

تهيمن على الثّقافة العربيّة فكرة الممنوع والمحرّم. وهذه الهيمنة من شأنها أن توسّع دائرة المقدّس والمكبوت دينيّا وسياسيّا واجتماعيّا، ليسود في الفضاء العموميّ خطاب السّلطة بدءا من سلطة العائلة وصولا إلى السّلطة الدينيّة وصلا إلى السّلطة السياسيّة. ومن المفارقات أنّ السّائد في الفضاءات الخاصّة التي تضعف فيها المراقبة وتتضاعف فيها الحريّة الذاتيّة، أنّ السائد هو الحديث عن المحرّم والمكبوت والممنوع أو الاستسلام لاستيهامات (Les fantasmes) مرضيّة.

وأهمّ ما يمكن أن يذكر في هذا الباب، هو أنّنا إزاء عزوف واضح، عن إرساء علاقة حميمة مع الكتاب والحديث عن هذه العلاقة هو حديث عن الكتابة في الواقع. فإذا انطلقنا من معطى بديهيّ، وهو أنّ الكتابة – أي كتابة – إنّما هي قراءة، فلنا أن نسأل ماذا يُكتب؟ ومن الذي يكتب؟ ولمن يكتبون؟

سيقول قائل: تغيّر العالم ونحن اليوم في عصر الأنترنيت،،،

نعم،،، هو عصر الأنترنيت، ولن نختلف في الإقرار بإيجابيّاتها وما يمكن أن يتعلّق بها من فضائل  كالتعلّم الذاتيّ والإحساس بالمسؤوليّة واكتساب مهارات متعدّدة كالحوار والنقاش وقبول الاختلاف… وليس في إمكان أيّ كان أن ينكر أنّ الانترنيت قد تحوّلت إلى فضاء- يتّسع ويضيق- للحريّة، فضاء تعيد فيه الذّات ترميم بنائها القائم في أغلبية على “ينبغي” وليس “يُستحسن” أو “يُفضّل”،، و”يجب” وليس “بإمكانك أن…”، و”لا بدّ” وليس “دعنا نتّفق على…”، و”اعتقد” وليس” أتصوّر” مثلا وغير ذلك من فواتح الخطاب في المجتمعات العربيّة، خاصة.

الواقع هو أنّ عدد مستخدمي الانترنيت يتزايد يوما بعد يوم، ولكن يتقلّص في المقابل عدد المقبلين على الكتاب فدراسة “اللّجنة الوطنيّة للاستشارة حول الكتاب والمطالعة” تشير أنّها اهتمّت بعيّنة (1029مشاركا) ممثّلة لمختلف الشّرائح والفئات الاجتماعيّة في تونس في محاولة لتحديد علاقة المواطن التونسيّ بالكتاب والمطالعة. وكشفت الدّراسة أنّ ربع التونسييّن لم يقرؤوا كتابا واحدا في حياتهم. وقرابة العشرين بالمائة لا يحبّون الكتاب أصلا. وثلاثة من أربعة تونسييّن لم تطأ أقدامهم مكتبة عموميّة. وأنّ 44 بالمائة من المستجوَبين لا ينفقون أكثر من ثلاثين دينارا تونسيّا سنويّا لاقتناء الكتب.

وبيّنت الدّراسة كذلك أنّ النّساء في تونس يطالعن الكتب أكثر من الرّجال بنسبة 7،51 بالمائة، وأنّ قرابة 6 قرّاء من بين 10 يطالعون أقلّ من 5 كتب كلّ سنة، وأنّ 23،17 ℅ يطالعون ما بين 6 إلى 10 كتب في السنة باللغتين العربية والفرنسيّة، فقط للبحث في الثقافة العامّة أو بسبب العادة أو الهواية.

واستنادا إلى إجابات العيّنة، فإنّ العزوف عن الكتاب والمطالعة يعود إلى “قلة الوقت” كما أكّد 57 ℅ من المستجوبين أو بعدم تحوّل المطالعة إلى عادة يومية (20 ℅)

ويذكر أنّ نسبة الأميّة في تونس تقلّصت وفق الأرقام الرسميّة إلى حدود 19 بالمائة من إجماليّ السّكان بعد أن كانت 27 بالمائة قبل عشر سنوات في حين يبلغ عدد المكتبات العمومية 378 في مختلف أنحاء البلاد إضافة إلى ما يعرف بالمكتبات المتجوّلة التي بلغ عددها 30 تغطي 1800 تجمّعا ريفيّا في محاولة لخلق عادة المطالبة مع سهولة الحصول على الكتاب.

أرقام ودلالات:

 أشار التقرير العربي للتنمية الثقافية 2007 الذي صدر عن مؤسسة الفكر العربي أنّ إنتاج الكتب في العالم يتوزع كالآتي: كتاب واحد لكل 12 ألف مواطن عربي، كتاب لـ500 مواطن أنقليزي، كتاب لـ900 مواطن ألماني. كما أوردت جريدة القبس الكويتية بتاريخ 11 مارس 2007 أنّ معدل القراءة للفرد في العالم العربي في العام الواحد 6 دقائق وهو 200 ساعة في أوروبا وأمريكا.

هوامش:

(1) نبيل عليّ الثقافة العربية وعصر المعلومات(1). عالم المعرفة، عدد265، 2001، ص 273

(2) عن عبد الرّحمان عزّي، الرأسمال الرمزيّ الجديد، قراءة في هويّة وسوسيولوجيّة الفضائيّات في المنطقة العربيّة، ضمن كتاب ثورة الصّورة، المشهد الإعلاميّ وفضاء الواقع، مركز دراسات الوحدة العربيّة، لبنان، 2008، ص 95.

عمر حفيّظ

صوت الشعب: العدد 221

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×