الرئيسية / صوت الوطن / في العلاقة بالدّولة التركية.. النّدّية والتّناظر أو التّبعيّة المقيتة
في العلاقة بالدّولة التركية.. النّدّية والتّناظر أو التّبعيّة المقيتة

في العلاقة بالدّولة التركية.. النّدّية والتّناظر أو التّبعيّة المقيتة

تحوّلت تونس في ظلّ تغييب المصلحة الوطنية إلى سوق تركية بامتياز لمنتوجات ليست أساسية في الوقت الذي يتهدّد Sans titre-1فيه الإفلاس الشركات التونسية 

هل تحوّلت وزارة التجهيز والإسكان والتهيئة الترابية في “حكومة الوحدة الوطنية” إلى “مصلحة ما بعد البيع” لدى إحدى الشركات التركية؟ سؤال تبادر إلى الذهن ونحن نطالع تصريح الوزير لوكالة الأنباء الرّسمية يشرح فيه سبب إنزال العلم الضّخم الذي تمّ تدشينه يوم 20 مارس 2017 بحديقة البلفدير بالعاصمة بمناسبة الذكرى 61 للاستقلال وذلك بعد مرور 24 ساعة فقط من تركيزه. وعندما اكتشفنا السّبب لم يبطل العجب كما يقال فهي المرّة الأولى حسب علمنا التي يقع فيه “التثبّت من مدى استيفاء شروط الصلوحية والمواصفات المطلوبة” لبضاعة أو خدمة بعد التّدشين وبعد الحفلة الرسميّة بحضور رموز الدولة الرؤساء الثلاثة ومواكبة وسائل الإعلام الوطنية والعالمية.Sans titre-111

هذه الواقعة، واقعة رفع علم وطني “صنع في تركيا”، والتي حصلت في يوم غير عادي نحتفي فيه بالاستقلال، ليست عاديّة وليست معزولة، وهي تتنزّل في سياق انخرام العلاقات الذي لم يعد خافيا على أحد بين تونس وتركيا، والحال أنّ القاعدة التي يجب أن تحكم العلاقات بين الدول المستقلّة ذات السيادة هي الندّية والتناظر والحفاظ على المصلحة الوطنية ضمن معادلة المصلحة المشتركة.

واللاّفت أنّ العلاقات بين البلدين وإن كانت تاريخيّا عادية وشبه متكافئة منذ العام 1956، شهدت تحوّلات سريعة ومثيرة بعد ملحمة 14 جانفي 2011 وصار موقف تونس وصوتها منخفضا أمام الباب العالي في مشهد درامي أعادنا إلى القرون الغابرة زمن الاحتلال العثماني للإيّالة التونسية وغيرها من الأرض العربية.

والمؤشرات والأرقام الدالّة على ما نقول لم تعد سرّا، بل إنّ سفير تركيا بتونس هو أحد مصادرها، علاوة على المعهد الوطني للإحصاء وبعض الخبراء وحتّى عدد من المسؤولين في الدولة التونسيّة ممّن دفعوا ثمن المجاهرة بالقلق من تغوّل أنقرة في النسيج الاقتصادي والصناعي والفلاحي والاجتماعي والثقافي والسياسي في تونس، ونقصد هنا عبيد البريكي وزير الوظيفة العمومية والحوكمة المستقيل المُقَال، وكاتب الدولة للتجارة المُقال فيصل الحفيان.. الأوّل تحدّث عن “علاقة غير طبيعية” مع تركيا واستهجن إغراق السّوق التونسية بالسِّلع التركية مقابل “صفر بالمائة تصدير” حسب تعبيره. أمّا الثاني، وفي تحدٍّ لوزيره وهو في نفس الوقت الأمين العام لحركة النهضة، فقد أقرّ بوجود “إشكالية” في المبادلات التجارية بين تونس وتركيا تتعلّق بارتفاع نسبة الواردات مقارنة بالصادرات التونسية.

والحقيقة أنّ السّفير التّركي نفسه يُقِرّ بهذا الواقع ويكشف على سبيل المثال أنّ نسبة التبادل التجاري بلغت مليار دولار منها 240 مليون دولار صادرات تونسية و760 مليون دولار صادرات تركية نحو تونس، أي أنّ واردات بلادنا من الدولة “الشقيقة” تعادل ثلاث مرّات حجم الصادرات!

هذا الانخرام له انعكاسات وتداعيات أعمق وأخطر ممّا يتصوّره البعض، لا تقف عند حدود انخرام الميزان التجاري ونزيف العملة الصعبة بل تتعدّى ذلك إلى حدود ضرب الاقتصاد الوطني وطمس مقوماته وأدلجته على هدى النموذج التركي..

لقد تحوّلت تونس وفي غياب الإرادة السّياسية في حماية المصلحة الوطنية أو على الأقل الالتزام بأحكام اتفاقيّة التّجارة العالميّة إلى سوق تركيّة بامتياز لمنتوجات ليست أساسية ولا تصمد أمامها منتوجاتنا الصناعية والخدماتية والفلاحية مثل عبّاد الشّمس والبسكويت والحلوى والشوكولاتة ولعب الأطفال والبلاستيك والملابس والأحذية وقطع الغيار وغيرها من المنتوجات الاستهلاكية وكذلك الخدمات في قطاع المقاولات والبنى التحتيّة في الوقت الذي يتهدّد فيه الإفلاس الشّركات التونسيّة.

إنّه من المفارقات أن يتجاهل حكّامنا الجدد ضرورة الأخذ بعين الاعتبار خصوصيّة بعض القطاعات المحميّة في تونس ضدّ سياسة الإغراق وضدّ بعض المنتوجات المشبوهة وغير المطابقة لمعايير الجودة والصحّة المتعارف عليها دوليّا، وهنا يعسر في أغلب الأحيان العثور على الجذاذات الفنّية وآجال الاستهلاك للمنتوجات التركية وإن وُجِدت فبلغات غير العربيّة، فهل قدر التونسيّين تحويل قِبلتهم نحو اسطنبول وتغيير لغتهم نحو التركيّة؟

ليس ذلك فحسب، لقد دمّرت السّلع التركية الصناعات التونسيّة وأطلق المهنيّون صيحات الفزع في قطاعات النّسيج والجلود والأحذية وفي الميدان الفلاحي أيضا والخدمات، ويتذكّر الجميع المعركة التي خاضها المهندسون المعماريّون زمن حكم الترويكا التي أرادت ضرب فكرة السّكن الاجتماعي وفكرة المهن المرتبطة بها (بناء، خزف، حديد، إسمنت وغيره..) من خلال إغراق السّوق التونسية بالمساكن الجاهزة الشّبيهة بتلك التي يقيمها الكيان الصهيوني في المستوطنات والأراضي الفلسطينية المحتلّة..

ودون الإسراف في الأرقام والإحصائيات، ليس عسيرا على المتتبّع للشأن السّياسي والاجتماعي والثقافي أن يلحظ ما جنته المسلسلات التركيّة على الإعلام الوطني وعلى المؤسّسات الإعلامية والثقافية وعلى الشارع التّونسي بشكل عام.

لقد بلغ الأمر بحزب النهضة، الذي يتشبّه بحزب العدالة والتنمية التركي، حدود استنساخ ومضته الإشهارية في الانتخابات التشريعية الأخيرة.

وقد استسهلّ بعض السّاهرين على التلفزات الوطنية الأمر أيضا، وبدل الاجتهاد في تشجيع الإنتاج الدّرامي المحلّي وإيجاد صناعة وطنية في هذا الباب صار الأيسر التّرويج لـ”حريم السلطان” و”قلوب الرمّان” وغيرها من الغلال والخضر وبقول “صنعت في تركيا”.. والأدهى من كلّ ذلك أنّ السّوق الموازية التي تفوق السّوق القانونية، إن صحّ القول، صارت ملاذ التونسيّين للتشبّه بالأتراك وتحديدا العثمانيين والتبضّع بما يجودون به علينا من اكسسوارات وزيف قد ينطلي على بعضنا بعض الوقت لكنّه لن ينطلي على المخلصين فينا للمشروع الوطني لتونس الجديدة التي رفع أبناؤها شعار الحرية والكرامة ولا كرامة لشعب يقتات من فتاة غيره ويرهن به مستقبله.

     مراد علالة   

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×