الرئيسية / صوت الوطن / ما بعد واشنطن لن يكون كما قبلها
ما بعد واشنطن لن يكون كما قبلها

ما بعد واشنطن لن يكون كما قبلها

قطاران يمضيان بلا توقف بسرعة قصوى وبصورة متزامنة ليدوسا على كل ما يعترض سبيلهما: قطار الأزمة الاقتصادية والمالية والوبائية التي تضرب البلاد مخلّفة آلاف الفقراء والمهمّشين والجياع والأموات من جانب، وقطار الصراعات متعددة الرؤوس: صراع الرئيس ضد تحالف النهضة والحكومة، وصراع الدستوري الحر ضد النهضة.. صراع الكل ضد الكل وبالوكالة أحيانا، صراع خلّف الإحباط واليأس والكثير من الوقت الضائع وفقدان الثقة شيئا فشيئا في منظومة الحكم.

القطاران يبدوان في تنافس غير معلن حول من يحقق مبتغاه ويصل المحطة النهائية قبل الثاني. الأول من أجل الإفلاس والفوضى لبلد الثورة والثاني للفوز بعصا الحكم، العصا التي سيضرب بها الفائز الشعب لكتم أنفاسه وتركيعه نهائيا. والعلاقة بين الاثنين علاقة أخذ وعطاء وعلاقة تأثير وتأثر.

الشّعب لم يركن إلى الّراحة
في المقابل الشعب التونسي لم يستسلم. ولئن تراجعت الموجة الاحتجاجية الشبابية التي انطلقت بمناسبة ذكرى الثورة فان الموجة الثانية تطبخ على نار هادئة لتنطلق عما قريب باكثر شراسة وبصورة نوعية.كل القطاعات : المالية والصحة والدكاترة وقبلهم المهندسون الذين حضوا باتفاق مع الحكومة والفلاحون …تتحرك اليوم وتستميت في الدفاع عن مطالبها المزمنة.والاكيد ان قطاعات وجهات اخرى تتهيا لتلتحق.واحتداد الازمة وتدهور القدرة الشرائية بصورة غير مسبوقة قد تجعل من الصيف القادم صيفا ساخنا على غير العادة خاصة بعد موجة غلاء الاسعار الناتجة عن تدهور الدينار المحلي ورفع الدعم الى جانب البطالة المتسعة باطراد التي لامست معدل ال 20 بالمائة.
كما ان غلق مئات المؤسسات وتسريح آلاف العمال دون تعويضات وانسداد الآفاق امام قطاعات السياحة والنسيج وتدهور اوضاع الفلاحة بسبب غلاء الاعلاف والادوية وشح مياه الري وتراجع معدلات الصابة الاشهر الاخيرة وتعطل التصدير مقابل تواصل التوريد العشوائي الى جانب تدهور الخدمات الصحية وعجز الحكم عن توفير مستلزمات مقاومة الوباء المستشري بسرعة…ستجعل من الاحتجاجات المرتقبة مسالة حتمية يفرضها الواقع كاخر الحلول التي لا مفر منها بالنسبة للشغيلة وعموم الشعب.وستكون اكثر شراسة وحدة هذه المرة.

الحكومة لا تملك الحلول
ان تفاقم الازمة لم يؤد كما جرت العادة الى تنظيم حوار مجتمعي للخروج منها او على الاقل للتقليل من وطاتها.كما لم يؤد الى حلول جدية تنبني على برنامج انقاذ متفق بشانه.فاولوية اطراف الحكم هي الاحتراب والفوز بمقود الحكم ايمانا منها بان الوقت مناسب والفرصة سانحة للفوز والتربع على العرش.
والملجا التقليدي والحل السهل في سياق هذه الاولويات ,بعيدا عن المجازفة ,هو المؤسسات المالية النهابة التي ستلتجىء اليها الحكومة وستذعن لاملاءاتها هذه المرة دون تحفظ لانها لا تملك مقومات الدفاع عن اي وجهة نظر خارج بيع المؤسسات العمومية وخارج ما يسمى بالضغط على كتلة الاجور وخارج تحرير الاسعار ورفع الدعم عن كل المواد بما في ذلك الحياتية منها.الى جانب تحسين شروط الاستثمار…الى غير ذلك من بنود الوصفة الجاهزة لصندوق النقد الدولي والتي تصلح لكل زمان ومكان لتؤدي في نهاية المطاف الى الخراب والدمار.

سلطة الوقت بدل الصائع
البلاد اليوم في منطقة رمادية فلا هي في وضع سقوط نهائي ولا هي في طريق التعافي والخروج من الازمة بمختلف اوجهها.فالحالة الاولى تتطلب قدرة هائلة لدى الحكم على تكريس خياراته اللاوطنية واللاشعبية وفرض الاستسلام على الشعب التونسي وقواه الثورية والتقدمية ومنظماته المدنية الديمقراطية خدمة للاقلية الاكثر ثراء.اما الحالة الثانية فتتطلب من قوى التغيير ومن الشعب الكادح عدم التسليم بالامر الواقع والجاهزية الضرورية والقدرة على التعبئة والتوحد حول البديل الوطني الديمقراطي الشعبي الخادم للاغلبية والعمل على فرضه.
المعركة مفتوحة والصراع سيكون ضاريا لا مكان فيه لانصاف المواقف فاما ان تتخندق الاطراف السياسية والمدنية الى جانب الشعب من اجل التغيير الجذري اوان تصطف الى جانب المنظومة من اجل مصالح السماسرة وخدمة الشركات والمؤسسات والدول الاستعمارية.
ان تفاهم الوفد الحكومي مع صندوق النقد الدولي – اقرا الاذعان بلا تحفظ لشروطه واملاءاته – لا يعني نهاية المطاف والاستسلام بل هو مجرد اعلان حرب على الشعب من طرف المنظومة من جهة يقابله استعداد للرفض والمقاومة في المعسكر المقابل اي الشعب وقواه الثورية والتقدمية من اجل تحقيق التغييرالمنشود من جهة ثانية.

المعركة في هذه الحالة معركة مشاريع وبرامج وستخاض في الميدان وحسمها مرتبط بموازين القوى بين طرفي الصراع وهذه الاخيرة (موازين القوى ) متحركة لا ينبغي النظر اليها في ثبوتها الحالي المختل لصالح الاطراف الرجعية.والنتيجة ستنحصر في مألين على الارجح فاما حياة كريمة للاغلبية في ظل دولة وطنية ديمقراطية اجتماعية واما ردة والتفاف على الثورة ورهن للبلاد واجهاض للمكاسب التي تحققت.
فلتتهيا قوى التغيير والتقدم للمعركة الحاسمة.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×